--------------- - - -

May 12, 2012

بعد قرون من النسيان.. قضية «الموريسكيين» تقفز إلى الواجهة في المغرب

الحسين إدريسي
رواية ذات بعد تاريخي تثير الشجون وتقلب المواجع

عادت مسألة اضطهاد «الموريسكيين» أو «الأندلسيين» إلى الواجهة في المغرب بعد أن كان قد طواها الزمن، حيث صدرت بعض الكتابات الوازنة حول تلك المأساة الإنسانية، إضافة إلى عزم «الموريسكيين» إنشاء جمعيات لإحياء تاريخ وتراث هذه المجموعات التي هربت من الاضطهاد في إسبانيا قبل قرون وانتقلوا إلى شمال أفريقيا، خاصة المغرب والجزائر وتونس. كان الموريسكيون تعرضوا منذ انهيار الحكم العربي الإسلامي في الأندلس لشتى أنواع الإهانة والإذلال، وحتى التقتيل، بسبب اعتناقهم الإسلام. ويتزامن هذا الاهتمام بالموريسكيين اليوم مع مرور 400 سنة (1609/ 1614) على ترحيلهم. الموريسكيون، أو الأصح الأندلسيون، الذين تم ترحيلهم إلى الضفة الجنوبية من الحوض المتوسطي، وقصد الكثيرون منهم المغرب، وتوجه آخرون إلى المدن الشمالية في الجزائر وتونس وحتى ليبيا، يعملون اليوم لتحريك الذاكرة والمواجع التاريخية المؤلمة.

يقول نجيب لوباريز، أحد المغاربة من أصول أندلسية، إن الديناميكية التي خلقها كتاب «الموريسكي» «جعلت الناس يدركون حجم المآسي وشكلها الحقيقي وأهمية ما ينبغي القيام به مستقبلا». والمقصود بكتاب «الموريسكي» الرواية التي ألفها قبل سنة الكاتب والمفكر المغربي الدكتور حسن أوريد باللغة الفرنسية، قبل أن تصدر ترجمتها باللغة العربية، الشيء الذي جعلها تصل إلى أكبر عدد من القراء باللغتين. وهي في الواقع كتابة روائية للتاريخ أكثر منها عملا أدبيا.

ويقول حسن أوريد إنه كان يجهل الكثير عن تاريخ الموريسكيين ولم يكن ينوي أن يكتب عن الموريسكيين إلى أن قرأ كتاب «ناصر الدين على القوم الكافرين» الذي كتبه أحمد بن القاسم شهاب الدين. وتجسد زخم المعلومات التاريخية التي اطلع عليها الكاتب والاتصالات المباشرة التي أجراها مع عائلات موريسكية في العاصمة المغربية في شكل رواية تراجيدية تاريخية. وكان ثمة اعتقاد أن هذه الرواية ستكون لها تأثيرات في تجديد وتشكيل وعي الموريسكيين، ليس فقط في المغرب وإنما في الضفة الجنوبية للحوض المتوسطي في تونس والجزائر، كما سيشكل الكتاب تنبيها للضمائر الإسبانية حول ما اقترفه أسلافهم من جرائم بحق الموريسكيين.

وقال أوريد لـ«الشرق الأوسط» إنه اعتبر كتابه عند تقديمه أول مرة بالرباط رسالة إلى إسبانيا والمغرب، وإلى الضفتين الجنوبية والشمالية للحوض المتوسطي.

وطالب عدد من المثقفين المغاربة حضروا مناسبة تقديم الإصدار زملاءهم المخرجين السينمائيين بتحويل فصول الرواية إلى فيلم تاريخي ليتمكن عدد كبير من الجمهور غير القارئ من الاطلاع على هذا العمل الفني.

أول الردود والمواقف التي أعقبت رواية «الموريسكي» هو سعي المغاربة من أصول إسبانية أو أندلسية إلى تأسيس جمعية تعنى بالمسألة الأندلسية انطلاقا من المغرب، وتكون إطارا مدنيا يجمع نضالات المهتمين في هذا المجال. يقول نجيب لوباريز، أحد الفاعلين ونشطاء المسألة الأندلسية: «كنا نتفرج على التاريخ، والآن ينبغي التحرك من أجل تثبيت الذاكرة التاريخية الأندلسية في المغرب لنقلها إلى الخلف». ويضيف لوباريز أنه «لا نقاش حول الانتماء لهذا الوطن»، يقصد المغرب.

من جهته يرى الدكتور عبد الرؤوف سوردو، وهو أحد الباحثين المغاربة في التاريخ الأندلسي، أن هناك شيئا ما يجب القيام به أيضا على المستوى الخارجي، وبالضبط في إسبانيا، «إذ يجب إقناع الطرف الإسباني بضرورة إعادة قراءة التاريخ الإسباني، وهذا هو الأهم».

تتجلى أهمية القراءة العلمية المتجددة لهذا التاريخ في الإشارة إلى «الوجود الإسلامي باعتباره جزءا عضويا من تاريخ إسبانيا، لا على أساس ما يعتبره الإسبان مجرد حادثة تاريخية عابرة».

يستغرب المغاربة من أصول إسبانية كيف تكون 8 قرون، أي 800 سنة من حياة شعب ما، مجرد حادثة عابرة. لا يستسيغ الأندلسيون كيف قدم ملك إسبانيا الاعتذار عام 1400 ميلادية ثلاث مرات لليهود على ما قام به الإسبان في حق اليهود ومعتنقي الديانة اليهودية في إسبانيا، في حين تم اقتراف جرائم لا تقل فظاعة ضد المسلمين من قبل الجهة الإسبانية نفسها ولم يتم لا الاعتراف بذلك ولا الاعتذار عن ذلك.

تراجع قوة المسلمين قبل قرون جعل مسلمي الأندلس يؤدون ضريبة الهوان مضاعفة، إذ وصل بهم الإذلال من قبل غير المسلمين إلى حد امتهان كرامتهم الإنسانية، من خلال بقر بطون المسلمات الحوامل، وقطع ختان المسلمين، وغير ذلك مما تحفل به الكتب التي أرخت لهذه المآسي في تاريخ الإنسانية.

تعكس بعض أشعار الشعراء الموريسكيين في المنفى أو في المواطن التي تم تهجيرهم إليها قسرا، مسحة الألم الناتج عن التيه بين الضفتين.

الشاعر الأندلسي محمد ربضان، الذي وجد نفسه في تونس بعد ترحيلة من مسقط رأسه سرقسطة عام 1610، كتب قصيدة طويلة في هذا الموضوع يتوسل فيها إلى الله.

يروم الأندلسيون إلى جانب تصحيح التاريخ وإنصاف الوجود الإسلامي فيه، إعادة الاعتبار لهم «في الوسط الإسباني ذاته، باعتبارهم شريحة إسبانية مطرودة دون وجه حق».

هل النخبة المفكرة والسياسية في إسبانيا مستعدة لتقبل هذه المطالب؟

يجيب الدكتور عبد الرؤوف سوردو، وهو من أفراد الخلية المؤسسة لـ«جمعية ذاكرة الأندلسيين المهجرين»، بأن المعلومات المتوفرة من خلال «جلسات مع خبراء مغاربة متخصصين في التاريخ الإسباني، والموريسكي تحديدا، تظهر أن هناك اهتماما كبيرا لدى الإسبان بالموضوع، وأن أبحاثهم كثيرة على الأقل من الناحية العلمية».

المغاربة يشهدون أن هناك رجوعا إلى القراءة الموضوعية للتاريخ الإسباني، بما في ذلك المحنة الموريسكية، وهذا يبين، حسب المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط» في الموضوع، أن هناك أرضية فكرية خصبة قابلة لأن تشكل فضاء للحوار.

ليس وحدهم المفكرون والأكاديميون والمؤرخون الإسبان من يهتم بهذا الجانب من المسألة الأندلسية؛ فحسب هذه المصادر، هناك جمعيات من المجتمع المدني الإسباني لها اهتمام بالموضوع، وهي جمعيات أسسها إسبانيون من المنطقة الأندلسية، وأكيد أن لهم جذورا إسلامية.

وعلى المستوى السياسي في إسبانيا، يقول عبد الرءوف سوردو: «باستثناء الحزب الشعبي الذي له رأي مخالف للأحزاب السياسية اليسارية والاشتراكية، كان هناك توجه حتى داخل البرلمان من أجل الاعتراف بما تعرض له الأندلسيون».

محمد بركاش، واحد من أحفاد الأندلسيين المهجرين أو المرحلين الذين التقتهم «الشرق الأوسط»، يرى أن لبسا كبيرا يكتنف استعمال كلمة الموريسكي أو الموريسكيين من حيث المعنى والهوية والتاريخ. ويستدل مشيدا بالدستور المغربي الجديد الذي أشار في ديباجته إلى البعد الأندلسي في الهوية المغربية، قائلا إن الدستور ذكر الأندلسيين وليس الموريسكيين، بنفس المنطق الذي فضل اختيار عبارة الأمازيغية وليس البربرية.

يعتبر محمد بركاش نفسه من عائلة إسبانية كانت مسيحية ثم أسلمت، ويقدر تاريخ ظهور اسم عائلته أول مرة في إسبانيا بأزيد من 900 سنة. وكان لعائلة بركاش دور بعد التهجير إلى المغرب، حيث اضطلع جده برئاسة ما سمي في تاريخ مدينة سلا المجاورة للعاصمة الرباط، بديوان سلا الجديدة، الذي كان يشن هجمات حربية ضد السفن المسيحية في إطار ما عرف في الأدبيات الأوروبية بالقرصنة وبالجهاد البحري في الأدبيات التاريخية. ومحمد بركاش من الشخصيات التي اهتمت بالمسألة الأندلسية مبكرا.

يقول بركاش: «إن لفظة الموريسكي أو الموريسكيين تم إطلاقها عام 1521 على المسلمين الذين ارتدوا وعادوا إلى المسيحية». وبالتالي يكون «المؤرخون مجانبين للحقيقة باستعمالهم هذا النعت القدحي قبل التاريخ المذكور في حق المسيحيين الذين أسلموا وتعرضوا للاضطهاد بسبب حفاظهم على دينهم الجديد الإسلام». ويضيف بركاش أنه لم يسبق له أن كان « عربيا ولا أمازيغيا، وإنما هو إسباني أسلم».

ووفق حكاية بركاش فإن «الموريسكيين يعيشون في إسبانيا وليسوا معنيين بما نحن بصدد القيام به»، ويتوقع أن تعمق الجمعية المزمع تأسيسها في غضون أيام البحث والتوضيح بشأن من يكون الموريسكي والأندلسي وغيره. ونتبنى هنا كلمة الموريسكي أو الموريسكيين عملا بقاعدة «خطأ شائع خير من صواب مجهول».

الموريسكيون أو الأندلسيون كانوا، حسب رواية أوريد، «القربان الذي أدى إلى جزر الحضارة الإسلامية، وكبش الفداء الذي نصبته إسبانيا محاكم التفتيش. كانت هويتها تمر عبر محو الحضارة العربية الإسلامية ومخلفاتها التي يمثلها الموريسكيون.. والحال أن الموريسكيين لم يكونوا من حيث العقيدة ولا الممارسة الدينية وحدة منسجمة، ولكن الآيديولوجية الطهرانية لمحاكم التفتيش التي كانت تأخذ بها الدولة الإسبانية كانت ترفض كل أشكال التلاقح والتفاعل. كان أغلب الموريسكيين مسيحيين جددا، مثلما كان يطلق عليهم في أدبيات إسبانيا آنذاك، ولأنهم كذلك فهم زائغون عن الجادة أو مهرطقون.. لا مكان إلا للمسيحية (الصافية) التي تقرها الكنيسة وتشهد عليها محاكم التفتيش».

المصدر: جريدة الشرق الأوسط

0 commentaires :

Post a Comment

Copyright © Los Moriscos De Túnez الموريسكيون في تونس | Powered by Blogger

Design by Anders Noren | Blogger Theme by NewBloggerThemes.com