--------------- - - -

May 15, 2009

قراءة في أعمال المؤتمر الدولي الثالث عشر للدراسات الموريسكية_ج1


أعمال المؤتمر العالمي الثالث عشر للدراسات الموريسكية-الأندلسية حول الأبعاد العقائدية والفكرية في الأدب الألخميادو
وسياسة محاكم التفتيش تجاه الموريسكيين
منشورات مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات
ماي/ آيار 2009
إشراف الأستاذ المتميز د. عبد الجليل التميمي
وتقديم الأستاذة لوث لوباث بارلت
تعريب أ. د. محمد صالح منير
"وما هؤلاء إلا نحن"
قراءة في أعمال المؤتمر الدولي الثالث عشر للدراسات الموريسكية
"وما هؤلاء إلا نحن" (س -2- نشرة الأكاديمية الملكية للتاريخ، ورقة. 182و) : هذه الكلمات هي لموريسكي، وفي هذه الحالة، هي للملقب "اللاجئ إلى تونس"، وتشير إلى أصحابه الذين كان على الكثير منهم، رغم المحن التاريخية التي عانوها بعد المنفى من الأراضي الإسبانية، أن يشكروا الله الذي أنعم عليهم بدين الإسلام وأن يتقبلوا ما قدر الله لهم وهو سر من أسراره الموجودة منذ الأزل.
"وما هؤلاء إلا نحن": يبدو وكأن هذا اللاجئ، عندما يعبر بهذه الكلمات المهذبة لا تخلو من الإفتخار، يقدم إخوانه للعالم، وهم ينتمون إلى أمة واحدة هي على طريق الإنقراض من سطح الأرض.
يعتبر هذا الشخص المجهول من بين أكبر أصحاب الأدب السري الأعجمي – الموريسكي وبفضل الكلمة المكتوبة من قبله والتي كتبها الكثير من إخوانه في الدين، فإن أمته المسلمة السرية تعلن وجودها بيننا مجددا. وعندما نقوم بفتح مخطوط موريسكي للقرن 16، تعود حياة الجماعات المسلمة، ومعها النزاعات، والأحلام والدموع وإبداعاتها الفنية وكذا مفاوضتها التاريخية بإرادتها القوية للبقاء على نفس الحال.
"وما هؤلاء إلا نحن". إنهم الموريسكيون الذين يقدمون أنفسهم للأجيال الآتية، ونحن الباحثون في هذا الأدب السري، نستمع إلى أقوالهم، كما ينبغي لكي نفهم العالم الذي عاشوا ضمنه. ولهذا السبب، أردت أن أتناسب مع الكلمات الحميمية والإيجابية التي قالها كاتب موريسكي لتقديم الإسهامات باللغة الإسبانية والخاصة بأعمال المؤتمر الدولي الثالث عشر للدراسات الموريسكية، وهذا المجلد يضم بفضل التفتح التي تميزت به مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات (FTERSI) جملة متنوعة من الدراسات. وكما جرت العادة، نحن أمام مجلد متعدد اللغات ويضم أعمالا بالإسبانية والفرنسية والعربية، ويشارك الجميع ضمن حوار عميق لعديد الزملاء أتوا من دول مختلفة وبعيدة، من إسبانيا، وتونس، والجزائر والمغرب الأقصى ودبي، وفرنسا، وبوارتوريكو، والأرجنتين.
وفي البداية، فإن هذا المجلد يدل على الاهتمام الدولي بالدراسات الموريسكية، سواء في أوروبا أو في الأمريكيتين أو في الشرق الأوسط، أو في المغرب العربي وآسيا. ونضيف إلى ذلك ما يلي: تشكل هذه الأعمال المثل الأعلى للحوار الحقيقي بين الثقافات حيث لدينا مجموعة من الدراسات التي أنجزها زملاء عرب يكتبون بالإسبانية، وأعمال مفيدة جدا : الفرنسية والإسبانية. وهذه الطريقة تسمح بالتعارف أكثر بيننا، وهي أجدر للغاية عندما نقوم بمعالجة نفس الموضوع. وأستطيع أن أقول باختصار إن هذا المجلد وجميع المجلدات المطبوعة ضمن سلسلة سيرومدي (CEROMDI) بزغوان ثم بعد ذلك لدى مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات (FTERSI) تلخص سر الكثير من الموريسكيين الذين شعروا كأنهم اعتزلوا تماما من ذاتهم : ألا وهو وضع حوار منسجم وحر بين المشرق والغرب، وهما القطبان الثقافيان المتواجدان. وفعلا، فإن الحوار التاريخي، ما بين الأديان والثقافات الذي يستوجب علينا أن نحققه في القرن 21، هو جوهر الموضوع.
وحاليا، يتضمن هذا الحوار حول الموضوع الموريسكي وسائل جديدة للبحث كما ويفتح آفاقا أخرى ويطرح تساؤلات تاريخية ودينية وأدبية جديدة. ويجب أن نلح على المقاربات المختلفة التي نلاحظها في ميدان علم الموسيقى كما أشارت إليها آنا غارسيا بيدراثا عبر هذه الكلمات: "الانشقاق الأسود والأبيض والإندماج المثالي الدائم" ، وكما اقترحه بنفس الوضوح توفيق البشروش في مقال له موجود في هذا المجلد. وآخر دراسة تشير إلى أن الأمة الموريسكية "تتميز بكثير من الجوانب" حيث لم تشكل المجموعة الموريسكية كتلة منسجمة، بل هي أنواع معقدة وتستوجب دراستها حسب ما قال صاحب هذه الدراسة.
وتتجدد كيفية الطريقة التي تعتمد على الدراسات الموريسكية بالفعل. فمرسيديس غارسيا أرينال كانت يائسة عام 1992، وبحق، أن مجرد الحصول على المصادر التوثيقية الموريسكية يبدو كافيا ويمنع بذل جهود الباحث لاكتشاف مجالات جديدة للتفسير ومقاربات وقضايا أخرى، وهذا يجر إلى إنتاج أعمال وصفية تطغى على المجال المحلي والنوعي: "والرغبة في تفادي الطابع الإيديولوجي قد أدى ربما، إلى الخجل التأويلي". وفي المجال الأعجمي والموريسكي، فإن هذا الخجل يبقى مع حسن الحظ مستبعدا. والجدال حول الطرد العنيف الذي مس الموريسكيين في عام 1609، لم يبق المحور الأساسي في ميدان البحث. وشجعت بذل الجهود لفهم حالة الموريسكيين في الدراسات الجهوية. ومنذ سنوات أشار فيرناند برودال إلى وجود "قضية موريسكية" بل "قضايا موريسكية" وقام باحثون أمثال نيكولاس كابريلينا وخ. آراندا دونسيل وتريفور خ. دادسون بتحديث الدرس القديم الذي كان يلقيه المعلم. وتساءل بيرنار فينسون عن النقاط المشتركة لفلاحي توديلا وتاراثونا وعائلات غرناطة ذات الأصل الملكي، دون أن يلمح إلى انتمائهم للإسلام، أو موريسيكو آفيلا أو أريفلو، الذين يجهلون اللغة العربية ونساء منطقة غانديا الاتي يتقن فقط هذه اللغة .
ويساهم تطبيق وسائل نظرية جديدة في تجديد الدراسات الموريسكية، انطلاقا من الدراسات الثقافية إلى غاية جمالية الاستقبال، دون أن ننسى الدراسات الإثنوغرافية الأنثروبولوجية. وفي هذا الصدد، نشير إلى أن كتابا حديثا لفانسان بارليتا يطبق نظريات أدبية جديدة في حقل الدراسات الموريسكية وحظي باهتمام بالغ في النقد حيث ترجم إلى الإسبانية فور صدوره. ويجب أن نلمح مرة أخرى إلى خطة التفكير المجدد لغارثيا أرينال والبشروش من أن قسطا كبيرا من التأجيل في ميدان البحث، يرجع إلى اعتبارنا الجديد من الوثائق من أجل فهم وجود حياة الموريسكيين.
وبطبيعة الحال، اعتبرنا الظاهرة الموريسكية حسب المصادر المستعملة، وكما لاحظ غارسيا سيدراثا ، فإن الاعتماد الخاص على المصادر الأعجمية أو على وثائق محكمة التفتيش، يظهر لنا نزاعا كبيرا بين الطبقات المتصارعة، حيث أنها تدلنا إلى المسلمين السريين المنفصلين والعقوبة المطبقة ضدهم من قبل محكمة التفتيش. وظهر أخيرا جدل حول استعمال المصادر المختلفة والمرتبطة بالدراسات الموريسكية. وقد ابتعد فرانسيسكو ماركيز فيليانويفا عن الرؤية القطبية عندما اعتمد على الأدب الإسباني الخاص بالطابع الموروفيلي. وأما بيرنار فانسون فدافع عن أهمية المصادر الأرشيفية. وتحذر ماريبال فييرو من الرغبة في استعمال هذه الأخيرة وتقول: "من أجل الحفاظ على النزاعات المميزة للمصادر المستعملة، يجب أن نستعمل أكبر عدد منها للحصول على معلومات متطابقة ومختلفة، والتي تتنوع وتكتمل وتتناقض في آن واحد". ومن الصعب أن لا نتفق مع هذا الرأي. وهكذا اتخذ تاريخ الكتب الرصاصية اتجاها هاما بفضل إصدار كتب ألفت من قبل م. غارسيا أرينال، ومانويل باريوس اغليرا ومجموعة معتبرة من الباحثين، بنشر نصوص جديدة وتأويلات أخرى لهذه الظاهرة.
ومن جهته، يفسح لنا عبد الجليل التميمي مجالا هاما للبحث بفضل تقديمه للوثائق العثمانية والتي تسمح لنا بالنظر إلى الجالية الموريسكية تحت منظور جديد. وبدوره، يحذرنا جلبير فابر من الخلافات الكبيرة الموجودة بين المخطوطات الموريسكية المرتبطة بالتراث الشفوي الخاص بالأسلاف المسلمين والنصوص المنشورة والمنتمية إلى التقنية الأوروبية الجديدة، ألا وهي la galaxia guttenberg والمستعملة من قبل المضطهدين المسيحيين.
وعلى ضوء المصادر التوثيقية الجديدة والتيارات النقدية الجديدة، فإن صورة الموريسكي انعكست بطرق شتى على القارئ الحديث. وبدأ التعايش والحوار بين الأفكار المختلفة للموريسكي: الموريسكي غير القابل للإندماج، المسلم السري العنيد وهو ينتمي إلى الأمة أو دار الإسلام، والموريسكي ابن الأقلية المزدوجة الأوجه، ولو أنها مسلمة، ولكن في حالة انخراط ثقافي مستمر ضمن مجتمع الأغلبية، والموريسكي الذي فضل اعتقاداته الدينية والثقافية على وطنه الإسباني والذي ينتمي إليه، والموريسكي كان يعتبر نصف إسباني، وكأنه المسيحي الذي يصير مسيحيا، أما الموريسكي فكأنه ينبثق من لوحة تقليدية تعجب الفنان إستيبانيين كالديرون؛ والموريسكي القاسي والمنتقم كما وصفه سيرافين فانخول ؛ والموريسكي الذي يمثل غيره حسب ما جاء عند الأقليات العرقية الحالية الأوروبية والأمريكية؛ والموريسكي المتشبه بالمسيحي العربي الصريح؛ والموريسكي العميد والجاسوس بين أمتين متخاصمتين؛ والموريسكي ذات الهوية المرتبطة فقط بالذات أو أنه يعتبر موريسكيا من قبل الغير ؛ والموريسكي كالشخص الهجين والمثقف وفي نفس الوقت المسلم والإسباني؛ والموريسكي الذي يتذرع بأدبه السري كسلاح للمقاومة؛ وعليه فالموريسكي كان ضحية عملية المثاقفة الرسمية؛ والموريسكي الذي عرف أن يمتلك ثقافة المسيطر لكي يمنح لنفسه مجالا جديدا، والموريسكي الذي يكتب نصوصا إسبانية بأحرف عربية ؛ والموريسكي الذي يعتبر "الهو هو ثابتا" والذي أعاد كتابة "باريس وفيانا" والرجل السياسي الذي قام باستجواب الذين بقوا على قيد الحياة بعد سقوط غرناطة.
والباحث في هذا الميدان والذي يجد نفسه، كما قلته سابقا مزينا إيديولوجيا وكائنا مؤقتا حسب ما قالت بارليتا ، سيلتقي بالخيالية الثرية لهؤلاء "الموريسكيين" المتناقضين، ذوي الهوية الفاحصة والمتداولة، وبمعنى أنهم يكونون لوحة فسيفسائية متعددة الألوان لحالتهم ونحن مازلنا في عملية اكتشاف ذاتياتهم كما بين بحق توفيق البشروش.
وتشكل البحوث بالإسبانية لهذا المجلد، كما أشرت، نموذجا عظيما للمواضيع الرئيسية التي يهتم بها الأكاديميون الدوليون حول أدب الموريسكيين وتاريخهم. ويعتمد الباحثون على عدة مصادر، كالأرشيف الخاص بمحاكم التفتيش مثل النصوص الأعجمية المحررة من قبل المسلمين السريين: ومن هنا، تختلف مقاربتهم ما بينها وتسلط الضوء حول الجالية الموريسكية من زوايا مختلفة.
وفي أول الأمر، لدينا مقالات ذات طابع تاريخي محض والتي تكشف المعلومات الأرشيفية الحاسمة لفهم ماذا جرى للموريسكيين قبل طردهم من الأندلس. ونذكر مثلا الدراسة التي أنجزتها ماريا ديل كارمان آنسون كالفو من جامعة أفييدو والتي تصف لنا العقوبات المعلنة في آراغون في سنة 1609. وقضت هذه الدراسة على الأساطير القديمة حيث لم تقم محكمة التفتيش بتعذيب النساء والشيوخ فحسب، بل تبين لنا بالتفصيل أسماء المعذبين الموريسكيين. وهناك قضية خاصة بموريسكي خائن. ففي الظروف الصعبة، نجد دائما خائنا جشعا ومطيعا وتظهر من جديد حياة جالية بأكملها في نزاع وهي رهينة اليأس والخوف بفضل البحث المفصل لصاحبها. أما الأستاذة آنسون كالفو فدرست أرشيف محاكم التفتيش مثل ما جرى للمخطوطة السرية الأعجمية حول الجالية الموريسكية المغلوبة.
أما الأستاذ محمد العويني، من جامعة منوبة، فاستطاع أن ينتهج خطة البحث لتاريخ إنجاز مقال حول ذهنية محاكم التفتيش وانعكاساتها على الموريسكيين المضطهدين. ومن جهتها، قامت الأستاذة الأرجنتينية ألفيرا ساغارسازو التي تمارس وظيفتها بجامعة لوند، بالتوسع في دراساتها السابقة حول وجود الموريسكيين بأمريكا اللاتينية، لنذكر بالكتاب الموسوم : الغزو السري : الأرجنتين والإسبان العرب La Conquista Furtiva وتتطرق إلى تأثير محكمة التفتيش في الأراضي البعيدة التي اكتشفت من أمريكا.
وفي هذه المناطق استفاد هؤلاء الموريسكيون بأكثر حرية، بحيث أن المسافة منعت محكمة التفتيش من تحقيقاتها الدينية، ويندرج بحث أنريكي غوثالبيث كرافيوتو في هذا النهج التاريخي والثقافي وهو يقدم تكريما عظيما للمرحوم الزميل ميكال دي إيبالزا والذي أعطى الكثير للدراسات الموريسكية، وحول إسهامات المتضلعين الإسبان في حقل الأدب الموريسكي للمهجر والتي درسناه نحن أخيرا كخبراء.
وهناك دراسات أخرى تمحورت في الجانب اللغوي للمخطوطات الأعجمية، ولا نندهش عندما نرى أن أغلبها قد ألف من قبل زملاء معربين الذين قدموا إسهامات جلية وخبرتهم باللغة المزدوجة وإجراء مقارنة، وهاهو بحث الأستاذ محمد منير صالح الذي تطرق إلى التوبونيميا الموريسكية للجزائر العاصمة وكذلك مقال إيناس صحابو من جامعة منوبة والتي قامت بتحليل محكم للمحاكاة الدلالية التي اعتمد عليها الباحثون الموريسكيون لمخطوط 232 الموجود بالمكتبة العمومية لطليطلة. ومن جهتها، بحثت شيراز بلحاج اللغة العربية التي عبر بها الموريسكيون المهاجرون، بينما درست هادية العميري كيفية تعجيم الأصل العربي لرسالة الطفري لإبن الغلاب، من قبل باحثين موريسكيين. أما الأستاذة المذكورة آنفا، فدرست عملية الحفاظ على العربية بين الجالية الموريسكية والتي كانت تكتب بالإسبانية السليمة وتدخل أحيانا منها جملا عربية كاملة. وأشارت هذه الأخيرة إلى أن الذين كانوا يمجدون لغة الإعجاز القرآني فضلا من الإسبانية التي فرضت عليهم، هي لغة ثقيلة وذات لهجة كهنوتية، حسب الموريسكي التجبيلي.
ويقوم العمل الممتاز الذي أنجزته راكيل سوارث غارثيا من جامعة كمبلوتينسي بمدريد بمشاركة بابلو روثا كلنداس (من الجامعة الأمريكية بدبي) والذي نشأ في مؤتمر الدراسات العربية – الرومانية بجامعة أفييدو، كشف بعمق المعجم اللغوي (الديني في غالب الأحيان) ومن أصل عربي للموريسكيين الإسبان. واستعمل في هذا الصدد مخطوطان غير معروفين : المخطوط الأعجمي التاسع للمكتبة العامة للييدا والمخطوط 397 للمكتبة الوطنية بفرنسا. ونلاحظ أن المؤلفين الأعجميين يستعملان كلمات من أصل عربي وأخرى ذات لغة هجينة عربية – رومانسية، مع عبارات إسبانية محضة وهي الباقية من المصطلحات ذات الأصل العربي.
ومن المفيد أن نهتم بكيفية ارتكاب الأخطاء من قبل الباحثين الموريسكيين، نظرا لعدم فهمهم لبعض فقرات النص العربي الأصلي، أو عندما يحذفون كلمات وحتى إدخال مصطلحات جديدة لا تنتمي إلى النموذج العربي المستعمل من طرفهم. وفي حالات أخرى، يتمسك المؤلفون بالأصل العربي ويرفضون الترجمة الإسبانية للمصطلحات العربية ذات الطابع الديني. وأما في بعض المناسبات، فلم يترددوا في أسبنة المفاهيم الدينية الأكثر تقديسا ("المجد"، "الله"). وأعتقد أن جل الدراسات اللغوية تكتسي أهمية خاصة للدراسات الموريسكية حيث تتطرق إلى جوهر عملية تحرير النصوص بالأعجمية. وتبادر للذهن أن الكتاب الموريسكيين كان يصعب عليهم استعمال اللغة العربية مثل ما كان يفعل أسلافهم، نظرا للقرارات الصادرة عن السلطات المسيحية، وقد بدؤوا يتخلون عن استعمال العربية وقد أثبتت هذه المحاولات والترددات اللغوية عملية ضياع لغة القرآن وحتى الاستعمال غير السليم للإسبانية والتي أخذوها من الجماعات الآراغونية.
وتمتاز دراسات أخرى باستعمال مواضيع انبثقت من القراءة المتمعنة للمخطوطات الأعجمية. ويتحاور الأستاذ محمد تركي، صاحب أعمال كثيرة حول نفس الموضوع، مع الدراسات الأولى لمرسيديس سانشيت آلفاريث وأنطونيو فسبيرتينو دريغاز حول شخصيات أنبياء الكتاب المقدس ضمن الأدب الأعجمي، ويطلع الباحث عن المخطوطات في حد ذاتها ويكشف نوايا سرية حقودة في مدى تصور أنبياء الكتاب المقدس من قبل الموريسكيين. ودراسته البديهية تذكرنا بالنوايا الأخرى للكتاب الموريسكيين والتي التقطها جون.ب هاوكينس الذي اكتشف عبر قراءته المعمقة للمخطوط 493 بأكمله، الموجود بالمكتبة الوطنية في مدريد، فلسفة موريسكية متكاملة حول الألم.
وتقدم لنا سيلما غارسيا غونزاليث، من جامعة بورتوريكو صورة هامة إثر اطلاعها على المصادر الدينية للرمز العجيب المتمثل في عرش الله ضمن تفسير مانصيبو دي اريفلو. وأرادت هذه الأخيرة أن تتحصل عن الآثار اليهودية، والمسيحية والإسلامية المحتملة في إعادة كتابة المخطوط الروحاني لعرش الله لمؤلف موريسكي، وهذا ليس من العجيب للقارئ المتمعن لهذا المؤرخ الأعجمي، والذي يخلط بين المصادر الأدبية والدينية.
وترى الأستاذة غارثيا احتمال وجود جذور سرية لمخطوط مانصيبو، وعندما قامت بهذه العملية، فإنها تتوافق مع الدراسات الحديثة لخافيير كاساساس، بابلو بنييتو، ماريا تيريسا نارفاياث وماريا لويسا لوغو والتي ألحت على احتمال آثار التصوف في الكتاب الأعجميين. وكما نعلم افترض ميغال أسين وجود نفس التأثير عند سان خوان دي لاكروث وسانتاتيريسا دي خسوس وحيث أمكن لهما استنباط الصيغ الروحية من هذا التصرف.
وتلهمنا فيرونيكا كاسترو، من جامعة بويتوريكو، إسهاما آخر للسحر الموريسكي، وهذا الموضوع اهتم به باحثون كالرائد في الميدان بيدرو لونغاس وآخرون كآنا لابارتا، خواكينا البراسين وخوان مارتيناث رويث والذين كتبوا الكثير حول المدونة الأعجمية. واهتمت نفس الباحثة بالمخطوط رقم V.26 للمكتبة الأكاديمية الملكية للتاريخ بمدريد، والذي يضم كثيرا من الرقى وأخرى مثل الألاعيب التي تضر بالأطفال قبل الولادة. وتعلق أيضا حول ملاحظة خطية كتبها شخص درس هذا المخطوط العجيب وكان يرى كيف يتحرك صبي في بطن أمه، وهذا يسمح له بالتوقع عن التاريخ المحتمل لولادته، ألا وهو تاريخ 14 يوليو 1603. ولا شك استعمال السحر من طرف هذا الموريسكي ثم من أجل الحفاظ على الصبي والذي كانت تتوقع ولادته قبل الطرد النهائي لجاليته.
وهناك باحث آخر، من بورتوريكو ميداردو روساريو ريبيرا، اهتم بموضوع الموت والذي جلب اهتمام الكثير من الباحثين، حسب الكتاب الأول الذي اختص تماما بالموضوع، وهو كتاب ميغال آنخيل فازكيث المسمى (من ظلام القبر : تصور الموت في الأدب الموريسكي). وهذا المؤلف يقارن بين الروايات الرهيبة حول ما جرى بعد الموت والتي تصف سكرات الموت والتي جاء ذكرها في الآيات القرآنية، ووفاة النبي الكريم، محمد (ص)، كما جاء في وصفه في المخطوطات الأعجمية الموريسكية. وألح الباحثون المسلمون على معالجة موضوع انفصال الروح من الجسد، ولكن في نفس الوقت، فضلوا الوصف الشديد لملائكة الموت وضيق القبر، من أجل تحذير الموريسكيين لكي يبقوا محتفظين بدينهم الإسلام والذي كان يصعب عليهم ممارسته في إسبانيا تحت حكم محاكم التفتيش.
إذن، نحن أمام جملة من الإسهامات الجديدة التي تنظم إلى المراجع المتعددة المرتبطة بموضوع الموريسكيين. وفي سنة 1984، أكد لويس غارثيا بالييستير هذه الظاهرة عبر الكلمات الآتية: ظهر الموضوع الموريسكي. ومنذ ذلك الحين، كما ألحت عليه آنا غارثيا بيدراثا تزايد الإعجاب بالموضوع الموريسكي، وضمن هذا المجلد متعدد الثقافات وكذا المتميز بعدة مقاربات، فإنه يعتبر خطوة إيجابية إلى الأمام. وينبغي لنا أن نستمر في هذا النهج، نحن الغربيين والمسلمين، وحيث أننا مدينون لجالية تريد أن تفرض وجودها على العالم عبر الكتابات السرية التي تخصها: "وما هؤلاء إلا نحن". وكما نرى، فعلى التاريخ أن يستمع إلى صوت بقايا المسلمين الذين أطردوا من إسبانيا، ولو بعد أربعة قرون

0 commentaires :

Post a Comment

Copyright © Los Moriscos De Túnez الموريسكيون في تونس | Powered by Blogger

Design by Anders Noren | Blogger Theme by NewBloggerThemes.com