ميرتلة (البرتغال) 14 أوت 2010
رغم مشاغلي الكثيرة
هذه الأيام، و رغم الجو الحار بمدينة ميرتلة، الذي لا تُلطفهُ حتى نسائمُ الفجر،
أو السباحةُ في وادي يانة، فإنهُ لا يُمكنُ أن تمُر زيارتي إلى إسبانيا، دون أن
أخُط بعض الكلمات، التي بقيت تُلحُوا عليا.
بدأت الرحلة بقدوم صديقي
العزيز "خوزيه" لاصطحابي من ميرتلة بالبرتغال يوم 30 جويلية 2010، فانطلقنا قاطعين بعض
الكيلومترات التي تفصل ميرتلة عن الحدود، فكان وصولنا تقريبًا بعد ما يُقاربُ
الساعة إلى الجسر الكبير الذي يفصلُ البرتغال عن إسبانيا. عندها أخرجت مُسجل الفيديو
خاصتي لتأريخ هذه اللحظة "التاريخية" على حد عبارتي لخوسيه، و الذي أراد
مُشاركتي إياها، فوضع في مُسجل السيارة النشيد الرسمي "لأندلسية"، هكذا
عبرنا الحدود على هذه الأنغام و على كلمات "بلاس أينفانتي":
"العلم أبيض وأخضر..أيها الأندلسيون...طالبوا بالحرية و الأرض..". لكن و
لسخرية الأقدار، أو رُبما لقلة معرفتي باستعمال آلات الفيديو فقد اكتشفت بعد
العودة إلى المنزل أن الآلة كانت في وضع توقف، و هكذا ضاعت "اللحظة
التاريخية"، التي دخلتُ فيها الأندلس، أه عذرًا أقصد إسبانيا، "كيف دخلت
أسبانيا؟ و كيف جأتنا؟ غازيًا؟" قالت "بالوما" زوجة صديقي مازحة،
فأجبتُها مُبتسمًا: "دخلتُها كصديق".
بعد أن قطعنا الحدود، اتخذنا
مُباشرةً الطريق المؤدي إلى أشبيلية، و لكن قرر خوسيه أن يمُر بنا على لبلة Huelva لزيارة جامعها، وفعلاً و صلنا إلى المدينة المُحاطة بسور يبدو في
حالة جيدة، يعود إلى الفترة الموحدية، ثم توجهنا إلى الجامع الذي تحول اليوم
بطبيعة الحال إلى كنيسة، فوجدناهُ مُقفلاً، ولكن لحسن الحظ و نحن نسترقُ النظر إلى
جمال باحة هذا المسجد ذو المعمار الموحدي، إذ جاء أحد العاملين بالكنيسة، و هو
يحمل بعض الشموع و الأشياء الكنسية، و فتح الباب فاستأذناهُ بالدخول، فرحب بنا
ببشاشة الأسبان دون أن يسأل من أين نحن؟ و ما هي ديانتُنا؟ دخلنا و عاينا عن كثب
روعة المعمار الموحدي، ذو الطابع المدجن أو "الموداخر"،
الصومعة ذات الشكل المُربع، الباحة المُزينة بالأشجار و الورود، الفسقية التي
يبعثُ صوتُ رقرقة مائها راحةً في نفوس المؤمنين و غير المؤمنين، و الأقواس
المُزخرفة الرائعة...، و العجيب أن هذا الجامع الرائع الذي قل مثيلهُ، و كما أكد
لي خوسيه ليس ذو شهرة كبيرة في دليل السائحين أو حتى الأسبان.
تركنا لبلة بعد أن
زرنا جامعها الرائع، و بعد أن تُهنا في شوارعها لمدة قصيرة، ضياع لم تُخرجنا منهُ
إلا سيدة أندلسية جميلة، تكبدت عناء إرشادنا إلى الطريق السريع المؤدي إلى أشبيلية
أو "سيفيا" كما تُصر "بالوما" زوجة صديقي على تسميتها.
وصلنا إلى أشبيلية في مُنتصف
النهار، و الحرارةُ قد بلغت أقصاها، لكن كُل ذلك لم يعني لي شيئًا، فكنتُ منذ
وصلنا و ركنا السيارة بجانب الوادي الكبير أبحثُ عن "عروس أشبيلية"
الخيرلدا.
هل هذه هي الخيرلدا؟ فأجابني
خوسيه: "لا هذا بُرج الذهب" أو شيء من هذا القبيل على ما أذكر، ثم سرنا
قليلاً في أزقة المدينة فأشرتُ مرةً أخرى لأحد الأبراج، فأجابني صديقي: "لا
ليست هذه هي الخيرلدا، أسبيرا، أسبيرا..." (تمهل، تمهل...)
سرنا بجانب مجموعة من السائحين
ذوي الملامح الأسيوية، الذين لستُ أدري لماذا تعُجُ بهم المدينة، و أنا لا أستطيعُ
صبرًا الوصول إلى الخيرالدا. و أخيرًا و بعد أن وصلنا إلى الكاتدرائية، و سرنا
بمُحاذاتها وقفتُ و جهًا لوجه مع الخيرالدا، فلم تكُن كما تخيلتها، بل أعظم و
أجمل، جمال أوقعني في شباك حُبها من النظرة الأولى.
بعد أن التقطتُ العديد
من الصور لهذه "العروس" كما يُسميها الأشبيليون، و بعد أن أرهقتُ خوسيه بالتقاط
صورٍ لي معها، دخلنا إلى الكاتدرائية "العظيمة"، نعم هي عظيمة في كُل
شيء، في ارتفاع بنائها، أو تزويقها من الداخل بالفن "الباروكي"، وعديد الأساليب
المعمارية الأخرى، في عظمة التماثيل و اللوحات الموجودة بها، في قيمة القطع
الذهبية "التي لو باعتها إسبانيا لخرجت من الأزمة الاقتصادية التي
تعيشها" قُلتُ مازحًا لصديقي، هكذا تجولنا في الكاتدرائية، و وقفنا أمام ضريح
كريستوف كولومبس مُكتشف أمريكا، ثم تمثال فرناندو الثاني و الراية التي فتح تحتها
غرناطة، قال خوسيه ما هو شعورك تجاه هذا الأخير، قلتُ:" لا شيء، نعم لا شيء،
فأنا لا أكرهُ و لا أُحبُ الأصنام..."، ثم بعد ذلك أخذنا نصعدُ داخل الخيرالدا،
فكنا و على عكس غالبية السائحين نصعدُ على مهل و نتوقفُ مرات عديدة للتمتع بمشهد أشبيلية،
الطرقات، و المساكن، الملعب، ساحة مُصارعة الثيران، و بطبيعة الحال الوادي الكبير.
هكذا و بعد أن وصلنا إلى
القمة و اِلتقطتُ أنا كالعادة كمًا هائلاً من الصور، جعل صوت نفاذ البطارية ينشتغل،
نزلنا هذه المرة مُسرعين، فقد هاتفتان "فيرخينيا"، أحدى الصديقات التي
تعمل في المجال الأثري بأشبيلية، و التي تطوعت لأن تكون دليلنا في "القصر".
بعد أن استرحنا قليلاً،
وتناولنا الغذاء بمطعم "سلفادور"، الذي أرشدتنا إليه فيرخينيا، و الذي
يمكنك أن تأكل فيه بقدر ما تشاء فقط ب 9 أورو، توجهنا مُباشرةً إلى "القصر"،
فإذا هو كالقصور التي تُحدثنا عنها المصادر العربية في عظمته و جماله، سألتُ
فيرخينيا بلهف: "هل هذا هو قصر المُعتمد بن عباد؟ هل في هذه الساحة كان يوم
الطين؟، فأجابتني بحذر أكاديمي:" ليس لنا ما يؤكدُ هذا.."، قاطعها خوسيه مُشيرًا إلى أنهُ هو قصر المُعتمد، هكذا تركتُهما
يتجادلان في موضوع القصر، ثم دولة المُعتمد و علاقته بابن عمار، و دور اعتماد زوجة
المُعتمد في مقتل هذا الأخير و عديد المواضيع الأخرى، التي لم أُرد أن يُنغص عليا
خوضُ النقاش فيها، جمال اللحظة، فكنتُ أجولُ من غُرفةٍ إلى غُرفة، و من باحةٍ إلى
باحة كصوفيًا يكادُ يُقبلُ الجُدران و الأشجار...ثم دخلنا أحدى الغُرف الكبيرة
التي يبدو أنها كانت مجلس الحُكم، و هي غُرفة مُزينة كغالبية جدران القصر بزخارف
جصية، مازالت في بعض الأحيان تُحافظُ على ألوانها الزرقاء و الصفراء...، بعد ذلك
توجهنا إلى فسقية كبيرة رائعة تتوسطُ القصر، فألقيتُ فيها كما يفعل كل السياح بعض
السنتيمات على أمل العودة.
بعد أن تجولنا في
القصر، فلم نترُك ركنًا أو عمودًا أو حديقةً، إلا و وقفنا أمامها، مُتأملين
جمالها، خرجنا نتجولُ في أنحاء المدينة، خاصةً و أن لهيب الشمس قد خف، فزرنا الحي
اليهودي أو ما يُسمى بالأسبانية "الخودرية"، و بعض الأحياء و المواقع
الأُخرى، ثم توجهنا لأحد المحلات لاقتناء بعض الأشياء للذكرى، و التي كان منها
قميصان هدية من الصديقة فيرخينيا، الأول لي و قد خُط عليه أسم أشبيلية بعديد
اللغات منها العربية، و الثاني لصديقي خوسيه مُزين بزخرفة عربية.
هكذا إذن و بعد أن تجولنا،
و تسوقنا و أنا بصدد توديع الصديقة فيرخينيا و شكرها سألتني: ما هو شعورك؟ ما
رأيك؟ فأجبتُها مُباشرةً: "هذا اليوم من بين أجمل الأيام في حياتي، أنا سعيد
جدًا".
Houssem, me alegro que hayas podido ir a Sevilla por fin. Se cuanto estabas esperando este momento. Sevilla es única de verdad!
ReplyDeleteGracias Soraya, si Sevilla es unica, es un Sueño..
ReplyDelete"Quien no vio Sevilla, no vio maravilla" (Qui n'a pas vu Séville n'a pas vu de merveille)
Houssem