صبيح صادق
الأحفاد مهتمون اليوم بما أحرقه أجدادهم بالأمس
عثر عمال البناء بينما كانوا يهدمون أحد المنازل القديمة في باجي ديل خالون في مقاطعة اراغون، بشمال إسبانيا، على مخطوطات مخفية داخل الحائط، مما لفت نظرهم، وأثار الأمر استغراب كثيرين. فلماذا أخفى صاحب الدار هذه المخطوطات داخل حائط بيته؟
ولاحقا عرضت المخطوطات، وكانت مكتوبة بالحروف العربية، على المستشرقين المتخصصين فعجزوا عن فهمها لأنها ليست باللغة العربية. وبداية، تصوروا أنها كتبت بلغة من لغات الدول الإسلامية، لكنهم بعد دراستها بشكل دقيق، اكتشفوا أنها لغة الرومانثة الإسبانية المكتوبة بحروف عربية، وهي التي عرفت باسم «الخميادية»، أي الأعجمية. وكان الموريسكيون، وهم بقايا العرب والمسلمين في إسبانيا بعد سقوط الحكم العربي عام 1492، يكتبون بها، إذ كانوا يتكلمون العربية والإسبانية. وبعدما حلت الكارثة بهم، وصدرت قوانين تحرّم تداول الكتب العربية، وتعاقب بشدة كل من يتكلم العربية، وفي أعقاب إحراق مئات الآلاف من المخطوطات، اضطر بعض الموريسكيين إلى المجازفة بإخفاء كتبهم ومخطوطاتهم عن أعين السلطات. ثم ساءت حالة الموريسكيين أكثر بمرور الزمن، إلى أن قرر الملك فيليب الثالث طردهم نهائيا من إسبانيا عام1610 ، ولم يسلم من كتبهم إلا القليل، ومنها هذه المخطوطات التي عثر عليها في منزل أحد الموريسكيين في اراغون. ولذا، كانت هذه المجموعة من المخطوطات موضع اهتمام وعناية كبيرين من قبل الباحثين الإسبان، خصوصا بعدما اكتشفت لاحقا مخطوطات خميادية أخرى في أماكن متعددة من البلاد، وبعدما اكتشفوا أنها تشكل حقا ثروة لغوية كبيرة للغة الإسبانية المكتوبة بالعربية.
ونتيجة لذلك جمعت المكتبة الوطنية في العاصمة الإسبانية مدريد، هذه المخطوطات التي عثر عليها في اراغون، مع مخطوطات خميادية أخرى من مكتبات ومتاحف مختلفة، لتكوين معرض خاص بها يحمل اسم «ذاكرة الموريسكيين»، إحياء لمناسبة مرور أربعة قرون على طردهم من إسبانيا. وقد افتتح المعرض يوم أول من أمس ويستمر حتى شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، ويحتوى المعرض على مخطوطات خميادية عديدة في مختلف المجالات، ومنها ترجمة للقرآن الكريم إلى الإسبانية ونصوص وشروح دينية ونصوص طبية وتاريخية وشعرية وأدبية، ونصوص لشهادات وروايات موريسكيين يشرحون فيها معاناتهم قبل طردهم من إسبانيا، وقد ساهمت عدة مكتبات بإعارة بعض مخطوطاتها الخيميادية للمعرض، ومنها المكتبة الوطنية في مدريد ومكتبة طليطلة ومكتبة الإسكوريال ومكتبة قطالونية (كتالونيا) بإسبانيا، وكذلك المكتبة الوطنية في باريس
المصدر: الشرق الأوسط
0 commentaires :
Post a Comment