تونس 2010/09/25
في الحقيقة إن ما قادني لكتابة هذا المقال، هي زيارتي مؤخرًا للموقع الأثري بقرطاج و مدينة سليمان، أضف إليهما منذ فترة المدينة العتيقة بتونس، وخصوصًا نهج الأندلس.
هذا مُقتطف من كتاب الصديق "سانتيغو ماثياس" "البحر الأبيض المتوسط" حول موقع قرطاج "...وفي قرطاج حيثُ اختفت المدينة تقريبًا وسط تجمعات من "الفلل" اللافتة للأنظار، و روما في الجنوب لا تعدو إلا أن تكون مُجرد ذكرى، و مقالبُ القمامة في الضواحي تُخفي آثار العصور الأولى للمسيحية".
رُبما نحن نملكُ كمًا هائلاً من الفسيفساء و الآثار، لكن ذلك لا يعني أن يستعملها العاملون في الموقع لتشييد بعض الأسوار، و جميلٌ أن نجد بالموقع متحفًا، لكن الأجمل أن لا نسمع و نحن في داخل هذا المتحف الذي تؤثثهُ أثارٌ تعود إلى ألاف السنوات، تلك القهقهات، وصراخ عاملين يغطي ضجيجهم المكان، وتحجب قصصهم التي نسمعها غصبًا خيال استمتاعنا بعظمة قرطاج.
أظن أننا لا نطلبُ الكثير عندما ندعو إلى تحسين ظروف عرض تلك الأثار، أن لا نجد ورقةً من كراس كُتب عليها "في طور الصيانة"، أن لا تكون الإشارة الموجهة إلى المتحف، مُجرد قطعةٍ حديدية غلب عليها الصدئ.
و نهج الأندلس، حيثُ سكن صانعوا الشاشية، وتلك الأبواب الجميلة التي تخبرُ عن أمجاد هؤلاء، وذلك المعمار الفريد المُحدثُ عن رهافةِ ذوقهم، نجدهُ اليوم في حالةٍ من الخراب، شبه خالٍ، و أكادُ أجزم أنهُ لم يبقى من بين ساكنيه أي أندلسيٍ: "نهج الأندلس بدون أندلس"، وفي حين تجدُ بقية الانهج مُكتظةً بالسائحين، لا تجدُ بهذا النهج إلا بعض الأسبان الذين ربما سمعوا عنهُ، أو أرادوا أن يعرفوا ما هذا النهج الذي كتب بحروفٍ صغيرة، في خريطة المدينة الذي يشيرُ إلى "الأندلس".
و مدينة سليمان حيثُ يُبهرك تخطيط المدينة العتيقة بشوارعها الواسعة، و ساحتها الكبيرة، وذلك الجامعُ الرائع بصومعته الفريدة، الذي يعودُ تاريخُ إنشائه إلى 400 سنة خلت، لا أحد يسألُ عنها، و لا مسلكًا سياحيًا يصلُها، و يبقى زُمرةٌ من الحالمين يأملون في أن يعود للمدينة بهاءُها و لو بعد حين.
رُبما لا يدركُ الإنسان قيمة ما يملكهُ حتى يفقدهُ، أو يرى أهميتهُُ عند الآخرين، "تموت التقاليد ببطء لكنها تفنى إلى الأبد"، و يذهب تراثنا في صناديق إلى سويسرا، و "فيينا"، وغيرها من المُدن الغنية التي تدركُ أهمية قطعةٍ حجرية صغيرة، ليبقى لنا اللاشيء، و مُجرد ملفاتِ قضايا لن تعيد ما ذهب، أو مُجرد نسخٍ كتب عليها: "هذه نسخة من التمثال الذي يوجد اليوم بمتحف اللوفر، و الذي أهداهُ الباي إلى قنصل فرنسا"، لندرك أن كُل الضرائب و المُصادرات، و "الإعانات" التي أخذها الداياتُ و البايات، و غيرهم يمكنُ تعويضها، لكن هذا التمثال لا يمكنُ تعويضهُ، فسرقة الحاضر أمرٌ يمكنُ تجاوزهُ، في حين أن سرقة الماضي لا يمكنُ تجاوزهُ أبدًا
في الحقيقة إن ما قادني لكتابة هذا المقال، هي زيارتي مؤخرًا للموقع الأثري بقرطاج و مدينة سليمان، أضف إليهما منذ فترة المدينة العتيقة بتونس، وخصوصًا نهج الأندلس.
هذا مُقتطف من كتاب الصديق "سانتيغو ماثياس" "البحر الأبيض المتوسط" حول موقع قرطاج "...وفي قرطاج حيثُ اختفت المدينة تقريبًا وسط تجمعات من "الفلل" اللافتة للأنظار، و روما في الجنوب لا تعدو إلا أن تكون مُجرد ذكرى، و مقالبُ القمامة في الضواحي تُخفي آثار العصور الأولى للمسيحية".
رُبما نحن نملكُ كمًا هائلاً من الفسيفساء و الآثار، لكن ذلك لا يعني أن يستعملها العاملون في الموقع لتشييد بعض الأسوار، و جميلٌ أن نجد بالموقع متحفًا، لكن الأجمل أن لا نسمع و نحن في داخل هذا المتحف الذي تؤثثهُ أثارٌ تعود إلى ألاف السنوات، تلك القهقهات، وصراخ عاملين يغطي ضجيجهم المكان، وتحجب قصصهم التي نسمعها غصبًا خيال استمتاعنا بعظمة قرطاج.
أظن أننا لا نطلبُ الكثير عندما ندعو إلى تحسين ظروف عرض تلك الأثار، أن لا نجد ورقةً من كراس كُتب عليها "في طور الصيانة"، أن لا تكون الإشارة الموجهة إلى المتحف، مُجرد قطعةٍ حديدية غلب عليها الصدئ.
و نهج الأندلس، حيثُ سكن صانعوا الشاشية، وتلك الأبواب الجميلة التي تخبرُ عن أمجاد هؤلاء، وذلك المعمار الفريد المُحدثُ عن رهافةِ ذوقهم، نجدهُ اليوم في حالةٍ من الخراب، شبه خالٍ، و أكادُ أجزم أنهُ لم يبقى من بين ساكنيه أي أندلسيٍ: "نهج الأندلس بدون أندلس"، وفي حين تجدُ بقية الانهج مُكتظةً بالسائحين، لا تجدُ بهذا النهج إلا بعض الأسبان الذين ربما سمعوا عنهُ، أو أرادوا أن يعرفوا ما هذا النهج الذي كتب بحروفٍ صغيرة، في خريطة المدينة الذي يشيرُ إلى "الأندلس".
و مدينة سليمان حيثُ يُبهرك تخطيط المدينة العتيقة بشوارعها الواسعة، و ساحتها الكبيرة، وذلك الجامعُ الرائع بصومعته الفريدة، الذي يعودُ تاريخُ إنشائه إلى 400 سنة خلت، لا أحد يسألُ عنها، و لا مسلكًا سياحيًا يصلُها، و يبقى زُمرةٌ من الحالمين يأملون في أن يعود للمدينة بهاءُها و لو بعد حين.
رُبما لا يدركُ الإنسان قيمة ما يملكهُ حتى يفقدهُ، أو يرى أهميتهُُ عند الآخرين، "تموت التقاليد ببطء لكنها تفنى إلى الأبد"، و يذهب تراثنا في صناديق إلى سويسرا، و "فيينا"، وغيرها من المُدن الغنية التي تدركُ أهمية قطعةٍ حجرية صغيرة، ليبقى لنا اللاشيء، و مُجرد ملفاتِ قضايا لن تعيد ما ذهب، أو مُجرد نسخٍ كتب عليها: "هذه نسخة من التمثال الذي يوجد اليوم بمتحف اللوفر، و الذي أهداهُ الباي إلى قنصل فرنسا"، لندرك أن كُل الضرائب و المُصادرات، و "الإعانات" التي أخذها الداياتُ و البايات، و غيرهم يمكنُ تعويضها، لكن هذا التمثال لا يمكنُ تعويضهُ، فسرقة الحاضر أمرٌ يمكنُ تجاوزهُ، في حين أن سرقة الماضي لا يمكنُ تجاوزهُ أبدًا
في بلادنا و في اهم متحف وطني،تداس الفسيفساء تحت الاقدام..قال شنوّه من كثرتها لم نجد لها مكاناً تعرض فيه سوى الأرض..لذا،فأنا أُفضّل أن تهدى بعض الآثار إلى من يقدَّرها خشية هلاكها،لعلّ في ذلك علم بحضارتنا و إنقاذ لها
ReplyDeleteفي الحقيقة شيء مؤسف جدًا ما يحدث للأثار، للعادات و التقاليد، كلها تسير في طريق الضياع...لكن ذلك لا يعني أن نسمح بتهريبها إلى الخارج بهدف الحفاظ عليها، لأن ما يذهب كما تعلمين لا يعود.
ReplyDelete