--------------- - - -

May 25, 2011

كتاب "الموريسكيون فى إسبانيا وفى المنفى" تأليف ميكيل دى إيبالثا، ترجمة وتقديم جمال عبد الرحمن _1


أبدأ تقديم ترجمة هذا الكتاب بالحديث عن المؤلف: الدكتور ميكيل دى إيبالثا من الباحثين الذين تزخر باسمهم المراجع العلمية التى تتحدث عن الموريسكيين أو عن العلاقة بين إسبانيا والمغرب العربى (تونس بالتحديد) أو عن الإسلام بشكل عام والأندلسى على وجه الخصوص ومن هنا فهو على دراية بالثقافة الإسلامية وبآثار وجود الموريسكيين فى المغرب العربى ويكتسب حديثه عن الموريسكيين فى المنفى أهمية كبيرة. ومنذ سنوات قام بترجمة القرآن الكريم إلى اللغة القطالونية وحصل فى نفس العام على جائزة الدولة الإسبانية فى الترجمة. إذن فنحن أمام كتاب وضعه باحث ومترجم فى آن واحد، ولهذا نحسب أن ترجمة كتاب له أمر بالغ الحساسية وتحفه المخاطر. هذا الأمر له جانبان أحدهما إيجابى والآخر سلبى. الجانب الإيجابى هو أن المترجم سيعمل جهده حتى تكون الترجمة على أفضل وجه وبحيث لا تختصر شيئا. أما الجانب السلبى فهو أن المترجم لن يكون حر الحركة، وقد لا يستطيع الابتعاد عن أسلوب الكاتب حتى لو كان من الأفضل الابتعاد. على أية حال اجتهدنا قدر استطاعتنا فى الجمع بين دقة الترجمة والاقتراب من أسلوب الكاتب، وابتعدنا عنه حين كان الابتعاد يمثل ضرورة لغوية. أدركت هذه الصعوبة حين راسلت الدكتور إيبالثا للحصول على موافقته على ترجمة الكتاب وقد اشترط –وهذا حقه- أن يتعرف على المستوى العلمى للمترجم قبل الموافقة. وقد تطوع الزملاء الإسبان مشكورين بتقديمى إليه.

الكتاب ينقسم إلى جزأين: الجزء الأول يتحدث عن الموريسكيين خلال الفترة التى سبقت عام 1609 ، وأظن أن القارئ العربى أصبح بمقدوره الآن أن يطالع تفاصيل تلك الفترة فى أكثر من مصدر، وقد قام المجلس الأعلى للثقافة فى مصر بجهد مشكور فى نشر عدة دراسات خاصة بهذا الموضوع. أما الجزء الثانى فهو يتعلق بأخبار الموريسكيين بعد طردهم من إسبانيا وأعترف بأن هذا الجزء الثانى هو الذى دفعنى إلى ترجمة الكتاب، فنحن لا نكاد نرى شيئا منشورا عن هذا الموضوع فى كتب أخرى (أستثنى وضع المغرب، فقد نشر المجلس الأعلى للثقافة كتابا عن الموريسكيين فى المغرب للدكتور غوثالبيس بوستو ، وكتابا آخر بعنوان الإسلام والغرب للزميلين جيرارد ويغرس وغارثيا أرينال، وأتمنى أن يصدر قريبا كتاب آخر عن إعادة تأسيس مدينة تطوان للدكتور بوستو)

الجزء الأول من الكتاب يتحدث عن وضع الموريسكيين فى إسبانيا قبل صدور قرار الطرد ويتعرض لدراسة مختلف جوانب القضية الموريسكية فيتحدث عن وضع المدجنين، أى المسلمين المقيمين فى مملكة يحكمها المسيحيون، فيقول إن المدجنين كانت تحكمهم لائحة تنظم أوضاعهم، وكانت هذه اللائحة تضمن لهم حرية العقيدة وتحدد مقدار الضرائب التى يدفعونها. كان مسلمو غرناطة بعد سقوط دولتهم يأملون في أن تطبق عليهم لائحة المدجنين، ولم يتفهموا أبدا أن يفرض التنصير الإجباري عليهم، خاصة أن الممالك الإسلامية فى إسبانيا كانت تسمح لغير المسلمين بممارسة شعائرهم الدينية.

يتحدث الكتاب فى الجزء الأول أيضا عن الأقاليم التى كان الموريسكيون يقيمون فيها وعن أعدادهم فى كل منطقة داخل إسبانيا ويذكر كيف أن حرب البشرات قد أدت إلى ترحيل مسلمى غرناطة إلى أقاليم أخرى. المهم هنا هو أن الكتاب يشير إلى وجود الموريسكيين فى أمريكا الجنوبية أو بلاد العالم الجديد – وإن كانت إشارة عابرة- وهو موضوع لا يزال فى حاجة إلى دراسة متأنية تعتمد على الوثائق.

يتناول الكتاب مسألة الوضع القانونى للمسلمين بعد صدور قرارات التنصير، وهنا يتوقف المؤلف طويلا ليعرض وجهة نظر السلطات الكنسية، فهى ترى أن المسلمين كفار ومن ثم يجب عليها أن تستخدم كل الوسائل فى سبيل تنصيرهم. كان التعذيب وسيلة من تلك الوسائل، وكانت السلطات ترى أن عدم المقاومة حتى الموت يعنى قبول المسلمين للتنصر، ومن ثم يجب أن يعاقبوا إن هم مارسوا شعائر الإسلام. يتحدث المؤلف عن عوامل أخرى داخلية أسهمت فى تأزم وضع الموريسكيين، ونلاحظ فى هذا الجزء أن المؤلف يكتفى بعرض وجهة نظر السلطات الإسبانية المسيحية.

فى فصل آخر من الجزء الأول يتعرض المؤلف لحياة الموريسكيين داخل مؤسسة " الجماعة"، لكننا نلاحظ أنه يعتمد فى ذلك على ملفات محاكم التفتيش، ومن المعلوم أن المحكمة كانت تخلط بين الشعائر الإسلامية واليهودية والخرافات، وتنسب كل ذلك إلى الإسلام. رغم علم المؤلف بالثقافة الإسلامية فإننا نجده عند الحديث عن مقومات هذه الثقافة يخلط بين إمام صلاة الجماعة والإمام الذى يتزعم جماعة المسلمين من الناحية السياسية، ويتحدث عن "هروب" النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ويستخدم لفظ عيد "الخروف" للحديث عن عيد الأضحى...الخ.

و فى الفصل الأخير من الجزء الأول يتعرض المؤلف لقرار الطرد النهائى من وجهة نظر السلطات الرسمية والكنسية، وعليه فإن الكتاب فى هذه الجزء الأول لا يضيف جديدا إلى ما سبق أن ترجمناه إلى اللغة العربية فى كتب أخرى نشرها المجلس الأعلى للثقافة فى مصر.

فى الجزء الثانى يتحدث المؤلف عن أوضاع الموريسكيين فى الدول التى هاجروا إليها. يخصص الكتاب فصلا لكل دولة استقر فيها الموريسكيون بشكل جماعى: المغرب وتونس والجزائر، ثم يخصص فصلا لبقية الدول التى هاجر إليها بعض الموريسكيين.

يتحدث المؤلف أولا عن المغرب فيشير إلى مشاركة الموريسكيين فى السياستين الداخلية والخارجية، كما يتحدث عن عدد المهاجرين والطرق التى سلكوها للوصول إلى المغرب. على أن المؤلف يتحدث هنا أيضا عن هجرات أندلسية إلى المغرب فى مناسبات مختلفة، وعن محاولة الأندلسيين فى تطوان وغيرها ممارسة نوع من الحكم الذاتى.

المؤلف يتحدث عن سوء معاملة المسلمين لإخوانهم فى الدين من الموريسكيين المهاجرين إليهم، ونحسب أنه يجانبه الصواب هنا. صحيح أن بعض أهل تونس قد شعروا بنوع من الغيرة تجاه الموريسكيين حين بالغت السلطات فى الترحيب بهم وإكرامهم. صحيح كذلك أن أسرا موريسكية تعرضت لبعض حوادث نهب وقعت لدى وصولها إلى الأراضى الجزائرية. أما حديث المؤلف عن "مذابح" وقعت للموريسكيين فهذا لم يقل به أحد على حد علمنا. المؤلف لا يذكر نصوصا تاريخية يعتمد عليها اللهم إلا نصا للمقرى(1) لم يشر فيه المؤرخ القديم إلى مقتل أحد. نحسب إذن أن مؤلف الكتاب يعتمد على كتابات المؤرخين الإسبان المعاصرين لتلك الفترة، ولنا على مجمل تلك الكتابات تحفظان:
الأول أنه حتى لو حدثت مذابح فإن المؤرخين الإسبان كانوا بعيدين عن موقع الأحداث ومن ثم فلم يكن بإمكانهم متابعتها والكتابة عنها.
الثانى هو أننا رأينا فى كتابات المؤرخين الإسبان فى القرنين السادس عشر والسابع عشر ميلا إلى التزييف، وعليه لا نراها صالحة كمصدر للكتابة عن تاريخ الموريسكيين فى مغربنا العربى.

يختتم المؤلف هذا الفصل بالحديث عن إسهامات الموريسكيين فى مجالات الزراعة والعمارة وغيرهما، وعن وجود ألقاب عائلية مغربية ذات أصل إسبانى.

فى الفصل التالى ينتقل المؤلف إلى الحديث عن الموريسكيين فى الجزائر فيذكر أن هناك أندلسيين هاجروا إلى الجزائر قبل القرن الثالث عشر الميلادى، وأن هناك هجرات أندلسية أخرى حدثت خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر. يذكر المؤلف كذلك أن هجرة الأندلسيين إلى الجزائر لم تتوقف. كل ذلك كان مقدمة للحديث عن هجرة الموريسكيين إلى الجزائر بعد صدور قرار طردهم النهائى من إسبانيا. يعود المؤلف هنا إلى الحديث عن "مذابح" تعرض لها الموريسكيون لدى وصولهم إلى بلاد إسلامية دون أن يقدم وثائق، كما يتحدث عن دور الموريسكيين فى مختلف جوانب الحياة الجزائرية وعن مشاركتهم فى الجهاد البحرى ضد الإسبان.

 تــــــونس
يخصص المؤلف فصلا كاملا للحديث عن الموريسكيين فى تونس، وهو هنا يتحدث عن مجال يعرفه جيدا، فقد نشر المؤلف عدة أبحاث عن الوجود الموريسكى فى تونس من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الدراسات حول الموريسكيين فى تونس اكتسبت طابعا علميا دقيقا نتيجة لدراسات عديدة أجراها باحثون تونسيون. وقد تحدث المؤلف عن نشأة الدراسات الموريسكية فى القطر العربى الشقيق وذكر أسماء كل من مصطفى زبيس وعبد الحكيم القفصى وغيرهما.

الجزء الخاص بتونس مهم للغاية، لكن المعلومات الواردة فيه فى حاجة إلى تحديث، فمنذ تاريخ صدور الكتاب حتى الآن عقدت مؤتمرات كثيرة ونشرت أبحاث ملأت فراغا تحدث عنه المؤلف.

يقول المؤلف هنا أيضا إن هجرة الموريسكيين إلى تونس لم تنقطع خلال العصور الوسطى، ولهذا فإن المهاجرين الموريسكيين حين وصلوا إلى تونس وجدوا أسرا أندلسية كانت قد استقرت هناك.

يتحدث المؤلف عن دعم السلطات العثمانية للمهاجرين الموريسكيين وكيف أن علماء تونس –أبو الغيث القشاش على سبيل المثال- أسهموا فى الترحيب بالقادمين الجدد ومساعدتهم فى تعلم أمور دينهم الإسلامى.

ندرك هنا أن الأثر الموريسكى فى تونس ملحوظ، وقد كتب المهاجرون الموريسكيون مخطوطات شرحوا فيها شعائر الإسلام باللغة الإسبانية نظرا لأن مواطنيهم كانوا قد أجبروا على التخلى عن اللغة العربية قراءة وكتابة وتحدثا، ومن ثم فلم يكن بمقدورهم قراءة فصول الفقه باللغة العربية. وهناك أثر موريسكى ملحوظ فى ألقاب العائلات التونسية، هذا بالإضافة إلى الأثر المعمارى الأندلسى فى زغوان وغيرها من المدن التونسية.

الفصل الأخير من الجزء الثانى يخصصه المؤلف للحديث عن وجود بعض العائلات الموريسكية فى دول أخرى لم تتجه إليها الهجرة الجماعية، إما لبعدها الجغرافى عن إسبانيا، وإما لارتفاع نفقات السفر إليها، وإما لعدم وجود جاليات أندلسية بها. هذا الفصل جديد تماما فى مجال الدراسات الموريسكية، وهو يمثل إضافة فى غاية الأهمية، ولو أن المؤلف قد أغفل ذكر المصادر.

من هذا الفصل نعلم أن أسرا موريسكية قد توجهت إلى تركيا ودول البلقان وإلى ليبيا والجزيرة العربية والهند وإفريقيا الجنوبية وفرنسا وإيطاليا وسوريا ومصر. لا نعلم شيئا كثيرا عن الموريسكيين فى البلاد المذكورة، وإن كان وضع مصر يختلف نظرا لدراسات الدكتور عبد الرحيم عبد الرحمن التى نشرها فى تونس (2).
الكتاب لا يتوقف عند موضوع إقامة بعض الموريسكيين فى بلاد العالم الجديد، وإن كانت الوثائق التى اطلع عليها باحثون مثل كارداياك ولوبيث بارالت وساغارثاثو وغيرهم تؤكد وجود موريسكيين فى أمريكا الجنوبية. وقد يكون من المناسب هنا أن نلقى بعضا من الضوء على هذا الموضوع


المصدر: دراسات أندلسية موريسكية

0 commentaires :

Post a Comment

Copyright © Los Moriscos De Túnez الموريسكيون في تونس | Powered by Blogger

Design by Anders Noren | Blogger Theme by NewBloggerThemes.com