في ذكرى مرور أربعة قرون على موجة الطرد الجماعي للعرب الأندلسيين من اسبانيا تعهد باحثون ومؤرخون من العالم العربي وأوروبا والأميركتين أمس برفع الستار عن تلك المأساة الإنسانية ونشر المخطوطات والوثائق المتعلقة بها والموزعة على مكتبات خاصة وعمومية في كل من أوروبا والمغرب العربي وتركيا والبلقان.
وقال المشاركون في المؤتمر الدولي الرابع عشر للدراسات الموريسكية الذي أنهى أعماله أمس في تونس في بيان ختامي حصلت على نسخة منه إنهم "مقرّون العزم على تناول ملف الطرد ومواصلة السعي لدى السلطات الإسبانية العليا للإقرار بتلك المأساة". واعتبروا أن مبادرة "تحالف الحضارات والثقافات" التي تُديرها إسبانيا بالشراكة مع تركيا، تتنافى مع رفض السلطات الإسبانية المطلق الإقرار بحصول مأساة الطرد الجماعي والاعتذار عنها.
ولوحظ أن الحكومة الإسبانية قاطعت المؤتمر بعدما حضر ممثلوها المؤتمرات المماثلة السابقة لأنها كانت على علم بطلب الإعتذار. كذلك حض الأكاديميون المشاركون في المؤتمر الذي عُقد بدعوة من مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات في تونس واللجنة العالمية للدراسات الموريسكية، العالمين العربي والإسلامي ومنظماته المختلفة على صون الذاكرة الموريسكية من النسيان وإقامة نصب تذكارية في المدن العربية والإسلامية تُسجل عليها أسماء من أحرقوا أحياء وهم بالمئات، حتى يتذكر الجميع أن عليهم دينا حضاريا تجاه الموريسكيين وأن التغافل ونسيان الماضي وعدم إحراج الطرف الإسباني في هذا الملف، لم يعد مقبولا اليوم في حين أن العالم يشدد على تحالف الحضارات والإقرار في نفس الوقت بالأخطاء التي ارتكبت في الماضي.
وقدم إلى المؤتمر 38 بحثا خلال الجلسات العلمية الإحدى عشرة من باحثين ينتمون إلى جيلين اثنين: الجيل المؤسس لعلم الموريسكولوجيا من أمثال المؤرخين لوي كاردياك ولوث لوباث بارلت، والجيل الجديد الذي أتيحت له الفرصة للتعرف على الجيل السابق مباشرة والإستفادة من خبرته لدراسة ملف طرد الموريسكيين من الأندلس بعد سقوط غرناطة آخر الإمارات العربية في السنة 1492. وقال كاردياك إن العرب الموريسكيين عاشوا مأساة رهيبة ألحقتها بهم محاكم التفتيش الإسبانية، ما شكل صفحة غير مضيئة في تاريخ اسبانيا في العصر الحديث.
وألقى باحثون من ألمانيا وبورتوريكو وتونس والجزائر وليبيا والتشيلي وفرنسا ومصر والمغرب والمكسيك والهند والولايات المتحدة واليابان الضوء على ظروف ترحيل الموريسكيين الذين يُقدر الإسبان أعدادهم بمئات الآلاف، فيما شكك مؤرخون غربيون في هذا العدد مؤكدين أن عدد العرب في غرناطة وحدها قبل سقوطها كان يتجاوز ستة ملايين ونصف مليون عربي. وأشار الدكتور عبد الجليل التميمي في هذا السياق إلى أن تونس استقبلت 100 ألف موريسكي استوطنوها فطوروا العلوم والتقنيات الزراعية والمشغولات التقليدية وخاصة صناعة الفخار والسجاد والتطريز وأنشأوا مدنا جديدة مثل سليمان ورأس الجبل وقلعة الأندلس وتستور. أما في المغرب فكان عددهم أضعاف ذلك، فيما اتجه آخرون إلى تركيا مركز الخلافة العثمانية أو القدس أو الشام ومصر والبلقان.
وقالت الدكتورة ماريا تيريزا نرفياز (من جامعة بوتوريكو) في بحثها: "في سنة 1609 أي منذ أربعة قرون خلت عرفت إسبانيا في عهديِ الملكين فيليب الثاني والثالث مسارا عسيرا للتجزئة عندما أجبرت الموريسكيين الإسبان على الطرد الجماعي نحو الأراضي الإسلامية. وحتى الأب أزنار كاردونا (Aznar Cardona) على الرغم من أنه لم يكن متعاطفا مع هذه الأقلية المهمشة، أظهر شفقة إزاء هذا المشهد الرهيب الذي كان عليه هؤلاء المهجرون والذين لفهم الغبار وأصابهم العطش وهم يتجهون في فوضى نحو الطرد، حاملين معهم بعض أغراضهم التي سُمح لهم بحملها، وهذه هي شهادته: "غادر هؤلاء البؤساء في التوقيت الذي حدده لهم الضباط الملكيون ونزحوا سيرا على الأقدام أو على أحصنتهم وقد أخذت منهم الحرارة كل مأخذ وهم يجهشون بالبكاء في مشهد امتزجت فيه أصواتهم مع شكاواهم، ومصطحبين في ذلك نساءهم وأطفالهم ومرضاهم وأقاربهم المسنين، وجميعهم يلفهم الغبار وهم يتصببون عرقا ويلهثون. وكان البعض منهم في عربات تجر أغراضهم وما يملكون من أشياء. أما بقية المهجرين فكانوا راكبين مع ما لديهم من اختراعات عجيبة من سروج وبرادع وقنب كانت مخصصة لحمل الماء، وجميعها محاطة بحاجز معدني وأكياس المؤن وقوارب الماء ومجموعة من السلال وأدباش وأقمشة من نسيج الكتان ومعاطف وأشياء أخرى من نفس هذه الأنواع. وحمل كل واحد منهم ما يقدر عليه إذ كان بعضهم يمشي على الأقدام رث الثياب منتعلا أحذية قماشية. أما البعض الآخر فوضع دثارا حول أعناقه والبعض الثالث يجر أحمالا صغيرة. وتمكن نساؤهم من حمل ما قدرن عليه من حلي ورزم أخرى والجميع يقوم بتحية من كان ينظر إليهم مرددين على أسماعهم "كان الله في عونكم ورعاكم..."
أضافت المؤرخة ذات الأصول الإسبانية "كان مشهد هؤلاء المهجرين رهيبا بلا شك فقد "أخذ منهم التعب والألم مأخذا وهم ضائعون وبائسون ومضطربون وخجلون مما حصل لهم. كانوا غاضبين وثائرين وعطشى وجائعين. إلا أن بعضهم حالفه الحظ للوصول إلى الأراضي المغاربية. وكان أحدهم، وهو صاحب المخطوطة MSS المتوافرة بمكتبة الأكاديمية الملكية بمدريد، وكان مجهولا إلى يومنا هذا، قد نجح في أن يترك للتاريخ شهادة حية لوصوله إلى تونس حيث استقبله شخصان فتحا له ذراعيهما وكان أحدهما هو الولي الصالح سيدي أبو الغيث القشاش والذي قام بحملة واسعة في البلاد لتأمين حسن استقبال الموريسكيين. أما الشخصية الثانية التي أحسنت وفادتهم فهو الوالي عثمان داي الذي حمى هؤلاء القادمين الجدد باعتبارهم أقلية أجنبية مستقلة تتمتع بخبرة فنية واقتصادية، ووضعهم مباشرة تحت حمايته السياسية وأعفاهم من العديد من الضرائب.
لكن مؤرخين آخرين ركزوا أبحاثهم المقدمة إلى المؤتمر، من خلال مخطوطات ووثائق حصلوا عليها من مكتبات مختلفة، على هجرة الموريسكيين إلى أميركا اللاتينية على رغم القيود الشديدة التي وضعتها اسبانيا لملاحقتهم والقبض عليهم إذا ما سافروا إلى أميركا الجنوبية خوفا من إرساء تعددية دينية في منطقة كانت تحت سيطرتها المطلقة السياسية والمذهبية.
وأظهر المتحدثون في المؤتمر الذي استمر أربعة أيام أن مأساة الموريسكيين تعد من أكبر المآسي الجماعية في التاريخ البشري وأن ضحاياها كانوا من المسلمين واليهود على حد سواء، وتم ذلك بدعوى المحافظة على وحدة العقيدة الدينية والسياسية الإسبانية.
أما المؤرخ لوي كاردياك فقد ركز على ما أسماه بالقضية الموريسكية، مبرزا ما تعرض له الموريسكيون من ملاحقات تندرج ضمن محاربة عقيدة الطرف المقابل وتذويب وجوده الحضاري تماما من خلال عدم الإقرار بحق الاختلاف في الدين واللغة والعادات والتقاليد.
وساد المؤتمر مناخ حواري بين المشاركين وبرز من خلال البحوث التي نوقشت مدى الاختراقات الجديدة التي اجترحها البحث الموريسكي الذي توسعت دائرته لتشمل عديد التخصّصات والفضاءات الجغرافية. وقرر المشاركون تخصيص المؤتمر العالمي الخامس عشر لموضوع "تداعيات الوجود الموريسكي في أميركا اللاتينية: الوضعية والآفاق المستقبلية" على أن يُعقد في شهر أيار (مايو) 2011. كذلك قرروا إنشاء مركز الدراسات والبحوث والترجمة الموريسكية، وهو مشروع جديد جاء ليساهم في توسيع دائرة الاهتمام بهذا الحقل من الدراسات الموريسكية
وقال المشاركون في المؤتمر الدولي الرابع عشر للدراسات الموريسكية الذي أنهى أعماله أمس في تونس في بيان ختامي حصلت على نسخة منه إنهم "مقرّون العزم على تناول ملف الطرد ومواصلة السعي لدى السلطات الإسبانية العليا للإقرار بتلك المأساة". واعتبروا أن مبادرة "تحالف الحضارات والثقافات" التي تُديرها إسبانيا بالشراكة مع تركيا، تتنافى مع رفض السلطات الإسبانية المطلق الإقرار بحصول مأساة الطرد الجماعي والاعتذار عنها.
ولوحظ أن الحكومة الإسبانية قاطعت المؤتمر بعدما حضر ممثلوها المؤتمرات المماثلة السابقة لأنها كانت على علم بطلب الإعتذار. كذلك حض الأكاديميون المشاركون في المؤتمر الذي عُقد بدعوة من مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات في تونس واللجنة العالمية للدراسات الموريسكية، العالمين العربي والإسلامي ومنظماته المختلفة على صون الذاكرة الموريسكية من النسيان وإقامة نصب تذكارية في المدن العربية والإسلامية تُسجل عليها أسماء من أحرقوا أحياء وهم بالمئات، حتى يتذكر الجميع أن عليهم دينا حضاريا تجاه الموريسكيين وأن التغافل ونسيان الماضي وعدم إحراج الطرف الإسباني في هذا الملف، لم يعد مقبولا اليوم في حين أن العالم يشدد على تحالف الحضارات والإقرار في نفس الوقت بالأخطاء التي ارتكبت في الماضي.
وقدم إلى المؤتمر 38 بحثا خلال الجلسات العلمية الإحدى عشرة من باحثين ينتمون إلى جيلين اثنين: الجيل المؤسس لعلم الموريسكولوجيا من أمثال المؤرخين لوي كاردياك ولوث لوباث بارلت، والجيل الجديد الذي أتيحت له الفرصة للتعرف على الجيل السابق مباشرة والإستفادة من خبرته لدراسة ملف طرد الموريسكيين من الأندلس بعد سقوط غرناطة آخر الإمارات العربية في السنة 1492. وقال كاردياك إن العرب الموريسكيين عاشوا مأساة رهيبة ألحقتها بهم محاكم التفتيش الإسبانية، ما شكل صفحة غير مضيئة في تاريخ اسبانيا في العصر الحديث.
وألقى باحثون من ألمانيا وبورتوريكو وتونس والجزائر وليبيا والتشيلي وفرنسا ومصر والمغرب والمكسيك والهند والولايات المتحدة واليابان الضوء على ظروف ترحيل الموريسكيين الذين يُقدر الإسبان أعدادهم بمئات الآلاف، فيما شكك مؤرخون غربيون في هذا العدد مؤكدين أن عدد العرب في غرناطة وحدها قبل سقوطها كان يتجاوز ستة ملايين ونصف مليون عربي. وأشار الدكتور عبد الجليل التميمي في هذا السياق إلى أن تونس استقبلت 100 ألف موريسكي استوطنوها فطوروا العلوم والتقنيات الزراعية والمشغولات التقليدية وخاصة صناعة الفخار والسجاد والتطريز وأنشأوا مدنا جديدة مثل سليمان ورأس الجبل وقلعة الأندلس وتستور. أما في المغرب فكان عددهم أضعاف ذلك، فيما اتجه آخرون إلى تركيا مركز الخلافة العثمانية أو القدس أو الشام ومصر والبلقان.
وقالت الدكتورة ماريا تيريزا نرفياز (من جامعة بوتوريكو) في بحثها: "في سنة 1609 أي منذ أربعة قرون خلت عرفت إسبانيا في عهديِ الملكين فيليب الثاني والثالث مسارا عسيرا للتجزئة عندما أجبرت الموريسكيين الإسبان على الطرد الجماعي نحو الأراضي الإسلامية. وحتى الأب أزنار كاردونا (Aznar Cardona) على الرغم من أنه لم يكن متعاطفا مع هذه الأقلية المهمشة، أظهر شفقة إزاء هذا المشهد الرهيب الذي كان عليه هؤلاء المهجرون والذين لفهم الغبار وأصابهم العطش وهم يتجهون في فوضى نحو الطرد، حاملين معهم بعض أغراضهم التي سُمح لهم بحملها، وهذه هي شهادته: "غادر هؤلاء البؤساء في التوقيت الذي حدده لهم الضباط الملكيون ونزحوا سيرا على الأقدام أو على أحصنتهم وقد أخذت منهم الحرارة كل مأخذ وهم يجهشون بالبكاء في مشهد امتزجت فيه أصواتهم مع شكاواهم، ومصطحبين في ذلك نساءهم وأطفالهم ومرضاهم وأقاربهم المسنين، وجميعهم يلفهم الغبار وهم يتصببون عرقا ويلهثون. وكان البعض منهم في عربات تجر أغراضهم وما يملكون من أشياء. أما بقية المهجرين فكانوا راكبين مع ما لديهم من اختراعات عجيبة من سروج وبرادع وقنب كانت مخصصة لحمل الماء، وجميعها محاطة بحاجز معدني وأكياس المؤن وقوارب الماء ومجموعة من السلال وأدباش وأقمشة من نسيج الكتان ومعاطف وأشياء أخرى من نفس هذه الأنواع. وحمل كل واحد منهم ما يقدر عليه إذ كان بعضهم يمشي على الأقدام رث الثياب منتعلا أحذية قماشية. أما البعض الآخر فوضع دثارا حول أعناقه والبعض الثالث يجر أحمالا صغيرة. وتمكن نساؤهم من حمل ما قدرن عليه من حلي ورزم أخرى والجميع يقوم بتحية من كان ينظر إليهم مرددين على أسماعهم "كان الله في عونكم ورعاكم..."
أضافت المؤرخة ذات الأصول الإسبانية "كان مشهد هؤلاء المهجرين رهيبا بلا شك فقد "أخذ منهم التعب والألم مأخذا وهم ضائعون وبائسون ومضطربون وخجلون مما حصل لهم. كانوا غاضبين وثائرين وعطشى وجائعين. إلا أن بعضهم حالفه الحظ للوصول إلى الأراضي المغاربية. وكان أحدهم، وهو صاحب المخطوطة MSS المتوافرة بمكتبة الأكاديمية الملكية بمدريد، وكان مجهولا إلى يومنا هذا، قد نجح في أن يترك للتاريخ شهادة حية لوصوله إلى تونس حيث استقبله شخصان فتحا له ذراعيهما وكان أحدهما هو الولي الصالح سيدي أبو الغيث القشاش والذي قام بحملة واسعة في البلاد لتأمين حسن استقبال الموريسكيين. أما الشخصية الثانية التي أحسنت وفادتهم فهو الوالي عثمان داي الذي حمى هؤلاء القادمين الجدد باعتبارهم أقلية أجنبية مستقلة تتمتع بخبرة فنية واقتصادية، ووضعهم مباشرة تحت حمايته السياسية وأعفاهم من العديد من الضرائب.
لكن مؤرخين آخرين ركزوا أبحاثهم المقدمة إلى المؤتمر، من خلال مخطوطات ووثائق حصلوا عليها من مكتبات مختلفة، على هجرة الموريسكيين إلى أميركا اللاتينية على رغم القيود الشديدة التي وضعتها اسبانيا لملاحقتهم والقبض عليهم إذا ما سافروا إلى أميركا الجنوبية خوفا من إرساء تعددية دينية في منطقة كانت تحت سيطرتها المطلقة السياسية والمذهبية.
وأظهر المتحدثون في المؤتمر الذي استمر أربعة أيام أن مأساة الموريسكيين تعد من أكبر المآسي الجماعية في التاريخ البشري وأن ضحاياها كانوا من المسلمين واليهود على حد سواء، وتم ذلك بدعوى المحافظة على وحدة العقيدة الدينية والسياسية الإسبانية.
أما المؤرخ لوي كاردياك فقد ركز على ما أسماه بالقضية الموريسكية، مبرزا ما تعرض له الموريسكيون من ملاحقات تندرج ضمن محاربة عقيدة الطرف المقابل وتذويب وجوده الحضاري تماما من خلال عدم الإقرار بحق الاختلاف في الدين واللغة والعادات والتقاليد.
وساد المؤتمر مناخ حواري بين المشاركين وبرز من خلال البحوث التي نوقشت مدى الاختراقات الجديدة التي اجترحها البحث الموريسكي الذي توسعت دائرته لتشمل عديد التخصّصات والفضاءات الجغرافية. وقرر المشاركون تخصيص المؤتمر العالمي الخامس عشر لموضوع "تداعيات الوجود الموريسكي في أميركا اللاتينية: الوضعية والآفاق المستقبلية" على أن يُعقد في شهر أيار (مايو) 2011. كذلك قرروا إنشاء مركز الدراسات والبحوث والترجمة الموريسكية، وهو مشروع جديد جاء ليساهم في توسيع دائرة الاهتمام بهذا الحقل من الدراسات الموريسكية
المصدر:القدس العربي.
0 commentaires :
Post a Comment