صدر العدد الأول من سلسلة المعرفة الأندلسية، وهو كتاب يحمل عنوان:"الموريسكيون في الأندلس وخارجها"، من تأليف الباحث محمد قشتيليو الذي يقول عن مصدر اهتمامه بموضوع هذه المجموعة البشرية: " عندما كنت طالباً ومدرساً مساعداً بجامعة مدريد في أربعينات القرن الماضي، كان رفقائي الطلبة الإسبان يمطرونني بوابل من الأسئلة عن حملي للقب إسباني محض، والحال أنني مغربي، لغته العربية ودينه الإسلام. فكنت أجيبهم بأن أصلي من هذا البلد الذي هم منه، وأن أجدادي هاجروا منه إلى المغرب أيام المحن والاضطهاد. كما كانوا يحاصرونني بأسئلة أخرى عديدة ومتنوعة، كنت لا أجد لها إلا جواباً واحداً، هو أنني أجهل كل شيء، وأن كل ما أعرفه هو أن أصلي أندلسي، من منطقة قشتالة، اعتباراً للقب الذي أحمله. كل هذه الأشياء خلقت في فضولاً خاصاً للبحث في موضوع أولئك الذين غادروا وطنهم فراراً بعقيدتهم الإسلامية، وكان يهمني في ذلك على الخصوص، الأواخر منهم الذين خرجوا في فترات متقطعة بعد سقوط غرناطة، والذين سيعرفون باسم الموريسكيين".
ومن الأهداف التي يرمي إليها مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات، وراء إصدار سلسلة "المعرفة الأندلسية"، تصحيح النظرة الرومانسية التي ظلت مسيطرة على الكتابات الصادرة في العالم العربي حول الأندلس إلى سنوات قليلة خلت، بحيث لم تستطع تجاوز عقدة الحسرة على سقوط غرناطة ونهاية مرحلة مشرقة من تاريخ الحضارة العربية الإسلامية. بسبب ذلك انساقت هذه الكتابات في الكثير من الأحيان وراء العواطف، وهو ما جعلها تفتقر إلى منهج علمي رصين. أما في إسبانيا فإن الكتابة التاريخية حول الأندلس، وباستثناء حالات معدودة، خضعت للإيديولوجيا، بحيث عمدت دكتاتورية الجنرال فرانكو لما يقرب من أربعة عقود، إلى تسخير الميراث الحضاري الأندلسي لأغراض سياسية؛ وكانت الكتابة التاريخية، التي يمكن أن نصنفها ضمن التاريخ الرسمي، تتحاشى استعمال مصطلح الأندلس، وتفضل عليه مصطلح "إسبانيا المسلمة"، في محاولة منها جعل هذه الحضارة، حضارة إسبانية خالصة.
انعكس هذا التوجه على الكتاب المدرسي الإسباني، الذي يتبنى نفس النظرة السلبية لوجود العنصر العربي في الأندلس، مما أثر سلباً على صورة العرب في إسبانيا اليوم، بحيث لا يتحرج المواطن الإسباني الذي تشبع في طفولته بما يتضمنه هذا الكتاب المدرسي، في التعبير عن رفضه للعنصر العربي.
ورغم التحول الإيجابي الذي عرفته الكتابات التاريخية حول الأندلس في العالم العربي وفي إسبانيا خلال العقود الأخيرة، فإن مجال اهتمام هذه الكتابات ظل مقتصراً على تخصصات محدودة (الأدب الأندلسي وخصوصاً الشعر، الفلسفة، تاريخ السلالات، والمعارك والحروب...).
واكب عودة الديموقراطية إلى إسبانيا، ظهور توجه جديد من ثماره إنشاء أقسام اللغة العربية في مختلف الجامعات الإسبانية، يعتمد مناهج علمية متطورة في دراسة التاريخ الأندلسي. وقد ساهم في إنجاح هذا التوجه الجديد، اكتشاف أعداد كبيرة من الوثائق ومن القطع الأثرية، خلال الثلاثين سنة الأخيرة في مختلف جهات الأندلس، الأمر الذي مكن الاستريوغرافيا الأندلسية من قطع أشواط بعيدة، وبالتالي من تكوين جيل من المستشرقين الشباب، تخصصوا في مواضيع شتى، لم يسبق تناولها من قبل، مما يقربنا من الحقيقة التاريخية للأندلس.
استفاد عدد من المؤرخين العرب من هذا الوضع، خصوصاً الذين أنجزوا أطاريحهم الجامعية، أو قاموا بتحريات ميدانية تحت إشراف أساتذة إسبان، مما يجعلنا اليوم في أقسام التاريخ والأدب العربي واللغة الإسبانية، في عدد من الجامعات العربية، أمام باحثين يقدمون نظرة جديدة للتاريخ الأندلسي.
فرغبة من مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات، في استثمار الرصيد المعرفي لهؤلاء المؤرخين العرب، وكذا الرصيد المعرفي لزملائهم الإسبان، ووعياً منه بالغياب شبه الكامل في الخزانة العربية، لكتابات تتجاوز تلك النظرة الرومانسية التقليدية، يُقْدِم المركز اليوم على خطوة جديدة، في مجال توجهه العلمي، تتمثل في إصدار سلسلة خاصة تهتم بمختلف جوانب الميراث الحضاري الأندلسي، وخاصة ما ظل زمناً طويلاً يصنف "على هامش التاريخ".
وستتناول العناوين المقبلة من هذه السلسلة، قضايا سياسية، واقتصادية واجتماعية، وفكرية، وقانونية متنوعة، اعتمد المركز في وضعها على خبرته الذاتية، مع عدم إغفال الإفادة من مقترحات يمكن أن يتوصل بها من طرف باحثين متخصصين، سواء تعلق الأمر باختيار موضوعات البحث أواقتراح الباحثين. وإن الأمل يحذونا في التمكن، في مستقبل الأيام، في الإسهام في إنجاح هذا المشروع الطموح.
المصدر: مركر دراسات الأندلس و حوار الحضارات
ومن الأهداف التي يرمي إليها مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات، وراء إصدار سلسلة "المعرفة الأندلسية"، تصحيح النظرة الرومانسية التي ظلت مسيطرة على الكتابات الصادرة في العالم العربي حول الأندلس إلى سنوات قليلة خلت، بحيث لم تستطع تجاوز عقدة الحسرة على سقوط غرناطة ونهاية مرحلة مشرقة من تاريخ الحضارة العربية الإسلامية. بسبب ذلك انساقت هذه الكتابات في الكثير من الأحيان وراء العواطف، وهو ما جعلها تفتقر إلى منهج علمي رصين. أما في إسبانيا فإن الكتابة التاريخية حول الأندلس، وباستثناء حالات معدودة، خضعت للإيديولوجيا، بحيث عمدت دكتاتورية الجنرال فرانكو لما يقرب من أربعة عقود، إلى تسخير الميراث الحضاري الأندلسي لأغراض سياسية؛ وكانت الكتابة التاريخية، التي يمكن أن نصنفها ضمن التاريخ الرسمي، تتحاشى استعمال مصطلح الأندلس، وتفضل عليه مصطلح "إسبانيا المسلمة"، في محاولة منها جعل هذه الحضارة، حضارة إسبانية خالصة.
انعكس هذا التوجه على الكتاب المدرسي الإسباني، الذي يتبنى نفس النظرة السلبية لوجود العنصر العربي في الأندلس، مما أثر سلباً على صورة العرب في إسبانيا اليوم، بحيث لا يتحرج المواطن الإسباني الذي تشبع في طفولته بما يتضمنه هذا الكتاب المدرسي، في التعبير عن رفضه للعنصر العربي.
ورغم التحول الإيجابي الذي عرفته الكتابات التاريخية حول الأندلس في العالم العربي وفي إسبانيا خلال العقود الأخيرة، فإن مجال اهتمام هذه الكتابات ظل مقتصراً على تخصصات محدودة (الأدب الأندلسي وخصوصاً الشعر، الفلسفة، تاريخ السلالات، والمعارك والحروب...).
واكب عودة الديموقراطية إلى إسبانيا، ظهور توجه جديد من ثماره إنشاء أقسام اللغة العربية في مختلف الجامعات الإسبانية، يعتمد مناهج علمية متطورة في دراسة التاريخ الأندلسي. وقد ساهم في إنجاح هذا التوجه الجديد، اكتشاف أعداد كبيرة من الوثائق ومن القطع الأثرية، خلال الثلاثين سنة الأخيرة في مختلف جهات الأندلس، الأمر الذي مكن الاستريوغرافيا الأندلسية من قطع أشواط بعيدة، وبالتالي من تكوين جيل من المستشرقين الشباب، تخصصوا في مواضيع شتى، لم يسبق تناولها من قبل، مما يقربنا من الحقيقة التاريخية للأندلس.
استفاد عدد من المؤرخين العرب من هذا الوضع، خصوصاً الذين أنجزوا أطاريحهم الجامعية، أو قاموا بتحريات ميدانية تحت إشراف أساتذة إسبان، مما يجعلنا اليوم في أقسام التاريخ والأدب العربي واللغة الإسبانية، في عدد من الجامعات العربية، أمام باحثين يقدمون نظرة جديدة للتاريخ الأندلسي.
فرغبة من مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات، في استثمار الرصيد المعرفي لهؤلاء المؤرخين العرب، وكذا الرصيد المعرفي لزملائهم الإسبان، ووعياً منه بالغياب شبه الكامل في الخزانة العربية، لكتابات تتجاوز تلك النظرة الرومانسية التقليدية، يُقْدِم المركز اليوم على خطوة جديدة، في مجال توجهه العلمي، تتمثل في إصدار سلسلة خاصة تهتم بمختلف جوانب الميراث الحضاري الأندلسي، وخاصة ما ظل زمناً طويلاً يصنف "على هامش التاريخ".
وستتناول العناوين المقبلة من هذه السلسلة، قضايا سياسية، واقتصادية واجتماعية، وفكرية، وقانونية متنوعة، اعتمد المركز في وضعها على خبرته الذاتية، مع عدم إغفال الإفادة من مقترحات يمكن أن يتوصل بها من طرف باحثين متخصصين، سواء تعلق الأمر باختيار موضوعات البحث أواقتراح الباحثين. وإن الأمل يحذونا في التمكن، في مستقبل الأيام، في الإسهام في إنجاح هذا المشروع الطموح.
المصدر: مركر دراسات الأندلس و حوار الحضارات
0 commentaires :
Post a Comment