خطاب د. عبد الجليل التميمي
سيادة الوزير الأول الأستاذ الهادي البكوش
حضرة الأستاذ لوي كاردياك
حضرة الأستاذة لوث لوباث بارلت
حضرات ضيوفنا الكرام
سيداتي سادتي، أيها الجمع الكريم،
بادئ الأمر أدعوكم للوقوف دقيقة صمت ترحما على عالمين اسبانيين جليلين انتقلا إلى ربهما بعد أن أديا أجل الخدمات البحثية في علم الموريسكولوجي وهما الأستاذان ميكال دي إيبلزا وخيل رودلفو غريمو !
****
لقد شرعنا في تنظيم هذه السلسلة من المؤتمرات العلمية المتخصّصة، حول الموريسكيين الأندلسيين منذ سنة 1983 وقد دأبنا على عقدها بانتظام كل سنتين بمشاركة عدد من أهم الموريسكولوجيين في العالم. وقد توجت بنتائج إيجابية جدّا، بما جعلها مكاسب علمية هامة. وفي هذا الإطار حرصنا على موقعة إسبانيا موقعا جديدا في جدلية تفعيل هذا التراث العربي الأندلسي، انطلاقا من إيماننا بأن ما يجمع إسبانيا اليوم بالعالم العربي والإسلامي هو زخم هذا التراث الحضاري الخالد للأندلس، أندلس التوافق والانسجام المجتمعي، أندلس التسامح الحقيقي بين مختلف الطوائف العرقية والدينية والتي تعايشت بانسجام وتكامل مثاليين، أندلس العلم والمعرفة والعقلنة والإبداع في عديد المجالات وقد شهد بذلك الجميع !
أما مؤتمرنا الحالي والذي نعقده بمناسبة ذكرى مرور 400 سنة على طرد الموريسكيين من الأندلس، فيندرج في صلب اهتمامنا العلمي البحت بهذا الملف. وأنه توافقا مع نتائج الدراسات التي نشرت حتى اليوم، فإن هؤلاء الموريسكيين المهجرين عاشوا هذه الفاجعة اللاإنسانية بكل المقاييس وتفرقوا شذر مذر وديست أبسط حقوقهم وكرامتهم الإنسانية، وقد استبسلوا للدفاع عن كينونتهم وانتمائهم الحضاري ضد سياسات محاكم التفتيش الجائرة التي تفننت في ملاحقتهم للقضاء عليهم بأبشع صنوف التعذيب والحرق أحياء والاستيلاء على ممتلكاتهم العقارية والمنقولة, وتصفية تراثهم الفكري والحضاري والثقافي وتحويل كل جوامعهم ومدارسهم وجامعاتهم إلى كنائس أو فضاءات عمومية، وقد نكثت العهود التي قطعت لهم من طرف الملكين الكاثوليكيين الإسبانيين يوم تسليم غرناطة، ونجحت محاكم التفتيش في اقتلاع جذور الموريسكيين من أرض الأندلس تماما، وهي مأساة رهيبة لحقت بالأمة الموريسكية الأندلسية.
وإزاء هذه المأساة، احتفظ لنا التاريخ عبر المدونات الأدبية والشعرية التي تركها لنا الشعراء والكتاب الأندلسيون أنفسهم وكذا الأوربيون القدامى، ملاحم وروائع وشواهد خالدة، تشهد بفظاعة الفاجعة, وهو ما يفسر اهتمام مئات الباحثين من الإسبان عموما والعرب والأوربيين والأمريكيين وغيرهم، بإبراز ذلك في كتاباتهم المختلفة الأدبية منها والفنية والمسرحية. ولا شك أن الرسوم المعروضة اليوم في المتاحف الوطنية الإسبانية، شاهد على فظاعة هذه الفاجعة ؛ وفي هذا التوجه فإن السينمائيين الإسبان، مشكورين، قاموا بإعداد أفلام قصيرة وطويلة، لنقل صورة مصغرة عن هذه المأساة الفاجعة التي حلت بالموريسكيين ونحن ننوه بمثل هذه المبادرات المهمة جدّا والشجاعة في غياب اهتمام السينمائيين العرب والمسلمين مع أسفنا الشديد لذلك !
لقد منحت الأندلس لإسبانيا اليوم الإيمان بأهمية تحالف الحضارات عندما أمضى رئيس وزرائها مع رئيس وزراء تركيا، حلفا باركته منظمة الأمم المتحدة وأصبح اليوم من أهم مرجعياتها الفكرية والحوارية على الصعيد الدولي، وهذه هي حتما الخلفية التي كانت وراء دعوتنا للسلط الإسبانية العليا, لتطبيق مضامين هذا الحلف الحضاري على التاريخ الموريسكي الأندلسي واعتبار ما حل بالموريسكيين، مأساة وفاجعة في التاريخ الإسباني الحديث، لا يتوافق حتما مع بنود هذه الاتفاقية، ذاهبين إلى الاعتقاد أن عدم استجابة السلط الإسبانية العليا لندائنا الحضاري الذي أطلقناه منذ 18 سنة ، يتنافى مع جوهر بنود تحالف الحضارات التي تزعمته إسبانيا وتركيا اليوم. وإزاء هذا الرفض المتجدد إلى اليوم، سوف نبقى نطالب إسبانيا بالإقرار بأن محاكم التفتيش ارتكبت أشنع مأساة إنسانية في حق الموريسكيين، بتنفيذ قرار الملك فيليب الثالث القاضي بالطرد الجماعي للأندلسيين، وإننا لنطالب بإدانة هذا القرار الجائر.
إن مؤتمرنا الرابع عشر والذي يجمع نخبة من الموريسكولوجيين الدوليين والمغاربين سيعالج عديد الإشكاليات البحثية في كنف الاحترام المتبادل والحوار العلمي البناء والصداقة والشفافية التي تجمعنا. وليتأكد الجميع أننا منذ ربع قرن قمنا بإرساء تقاليد بحثية نعتز بها, خدمة للتاريخ الموريسكي الأندلسي.
ومن جهة أخرى، تأكد للجميع أن مبحث علم الموريسكولوجيا سجّل تطورا مذهلا باستقطاب الجيل الجديد من الباحثين الدوليين، نتيجة الاكتشافات الجديدة من مخطوطات ووثائق إسبانية وأوربية وعربية وعثمانية ومن دور أرشيفات ومكتبات أمريكا اللاتينية أيضا، وتمّ ذلك على أيدي الباحثين المؤمنين بالتواصل العلمي، إذ لا هيمنة ولا تطاول لفريق من الباحثين على غيرهم، أو غمط للإنجازات البحثية التي حققها العديد من المتخصصين غير الأوربيين، وعلى الجميع استخلاص العبرة والدرس من إنجازات باحثي جامعة بورتوريكو تحت إشراف الأستاذة المتميّزة د. لوث لوباث بارلت, والتي شكلت تجربتها البحثية في جامعتها وفي مخبرها العلمي مع فريقها المتحمس حول الأدب الألخميادو، أجمل وأروع الأمثلة على هذا التوافق والإنجاز البحثي، خدمة للحقيقة التاريخية دون استعلاء أو مركب غرور أو هيمنة فكرية على الآخرين.
وكما هو معلوم لدى الجميع فإن تونس قد سجلت صفحة ناصعة ومشرفة من التسامح الحق وكرم الضيافة عندما توجه إليها مائة ألف موريسكي، وجدوا على أديمها كل المقومات الإنسانية والحضارية التي افتقدوها تماما في أندلسهم على إثر طردهم القسري سنة 1609. كما احتضن المغرب الأقصى والجزائر والدولة العثمانية وعديد المدن المتوسطية، قسما مهما آخر من هؤلاء المهجرين. وإن تونس التسامح الحق، لفخورة بوجودكم وتشريفكم لها، وهذا هو مبعث اعتزازنا في هذه المؤسسة البحثية الأكاديمية المستقلة علميا، راجين التوفيق في أعمالنا وحواراتنا من أجل التذكير بالتراث الموريسكي، وفاء منّا لهذه الأمة الأندلسية الباسلة والجريحة والتي نحن مؤتمنون للحفاظ على سجل بطولاتها الرائعة وصمودها المستميت، حين لا يتم نسيان أو إهمال ذلك من طرف الجميع في عالمنا العربي والإسلامي بصفة خاصة.
كلمة شكر وتقدير عاليين نوجّهها إلى كل من شد أزرنا بالقول والفعل وساهم من منطلقات مبدئية ثابتة, تذليل عديد العقبات التي اعترضت سبيلنا, وتلك هي ضريبة الإصداع بالحقيقة التاريخية والدفاع عن المبادئ والقناعات والتي لن نقبل بالتخلي عنها أو التهاون بمضامينها، مهما كانت التحديات والإغراءات. وسنواصل رسالتنا البحثية بكل شفافية وصدق وتعلق صادق ودفاع عن التراث الموريسكي-الأندلسي.
وإليكم سيادة الوزير الأول كل الشكر والتقدير على تفضلكم بمشاركتنا هذه الجلسة الافتتاحية، وتلك هي إيماءة ومكرمة رائعة يثمنها جمعنا هذا.
والشكر لكم أنتم أيها الباحثون ممن استثاقونا منذ ثلاثين سنة وواصلوا دعمنا العلمي وأننا لنعد مشاركتكم اليوم في هذا المؤتمر بهذه الكثافة العددية من عديد الدول المغاربية والأمريكية والأوربية والآسيوية، دليلا جديدا وساطعا على حرصكم على التواصل مع مؤسستنا الأكاديمية لخدمة التاريخ والآداب الموريسكيين، على الرغم من تنظيم مؤتمر مواز لمؤتمرنا في غرناطة قبل ثلاثة أيام فقط وساهمت فيه عديد السلط الإسبانية الرسمية، وذلك ملف آخر لا نودّ إثارته هنا. فإليكم معشر الباحثين عظيم التقدير والامتنان لمواقفكم الرائعة ودعمكم العلمي المتجدّد والســلام.
كلمة السيد الهادي البكوش الوزير الأول الأسبق
إنه لشرف عظيم أن أحضر مؤتمرا دوليّا للدراسات الموريسيكية الأندلسية، تشارك فيه نخبة ممتازة من الكفاءات العلميّة المرموقة من بلاد كثيرة في العالم إحياء للذكرى المائوية الرّابعة لطرد الموريسكيين من الأندلس.
إني أشكر أخي وصديقي الدكتور عبد الجليل التميمي باعث ورئيس مؤسّسة التميمي الذي دعاني إلى مؤتمركم هذا ورغب مني إلقاء كلمة بالمناسبة بصفتي مواطنا تونسيّا باشر مسؤوليات هامّة في الدولة وهو شديد الاهتمام بما يقدّمه رجال الفكر من أعمال تساعد على فهم ما وقع في العالم ماضيا وحاضرا وتسهّل مواجهة المستقبل بعلم ودراية.
للمرّة الرابعة عشرة تنظّم مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات مؤتمرا دوليّا للبحث عن إحدى كبار المآسي التي عرفتها الانسانية وتنجح ويرجع الفضل في ذلك إلى ما يبذله المسؤولون من جهد جبّار وما يتحلّون به من مثابرة.
سيداتي, سادتي,
أهنّئكم بذلك وأتمنّى لهم توفيقا دائما للبحث عن المعاناة التي قاساها الموريسكيون في أوائل القرن السابع عشر، غايات علمية نبيلة وقد تكون لها مقاصد أخرى أهمها التعريف بها واستخلاص العبر منها بما يسهل اجتنابها. إنّه من الخطإ السكوت عن المآسي الكبرى التي عرفتها الانسانية والجرائم العظمى التي يقترفها الانسان ضد أخيه الانسان، إنه من الخطير نسيانها أو تناسيها.
إن اهتدت الانسانية بعد حربين عالميتين مدمّرتين إلى تنظيمات واستنبطت طرقا جنّبتنا طيلة 60 عاما حربا عالميّة ثالثة، فإنّها لم تنجح في اجتناب فتن داخليّة لا تقلّ خطورة عن الحروب بين الدول في عمليات إبادة جماعية لا رحمة فيها، تفوق كل التصوّرات تقوم بها دول قويّة متميزة ضدّ أقليات مغلوبة ضعيفة لا حول ولا قوّة لها. وهي جرائم ضد الانسانيّة لا يقبلها العقل ولا يرتاح إليها الضمير, لم تحد قرارا الأمم المتحدة والمحكمة الدولية وحق التدخل من تكرارها. أشير للتذكير إلى خمس عيات منها :
* الأولى : ذهب ضحيّتها قرابة الخمسة ملايين يهودي من ألمانيا وأوربا أبادتهم حكومة هتلر النازية بغية إنهاء مشكل اليهوديّة بصفة نهائية، وقد دفع العرب لذلك ثمنا غاليا ومازالوا يدفعون.
* الثانية وقعت في رواندا حيث أقدمت حكومة البلاد لمدّة مائة يوم سنة 1994 محمية بقبيلة الهوتو وبتواطئ دولي على إبادة ثمانمائة ألف توتسي.
* الثالثة جرت في بلاد يوغسلافيا سابقا حيث عامل السرب مسلمي "البوسنة والهرسك" بقسوة شديدة وقاموا بمجزرة سربرينسكا الشهيرة، قتلوا فيها مئات من الأبرياء، بدافع التعصّب العرقي وإرادة الهيمنة.
* الرّابعة فإنها تقع في فلسطين وفي غزّة خاصة طرفاها جيش من أقوى جيوش العالم تنظيما وعتادا من جهة ومن جهة ثانية شعب مسلوب ضعيف أعزل يشكو التشرّد والجوع والفقر.
* أما الخامسة فإنها تقع في سريلانكا حيث تلاحق الحكومة أقليّة أثنية تتكوّن من التمول Tamoul للقضاء عليها وإبادتها.
أما مأساة الموريسكيين التي مرّ عليها اليوم أربعة قرون، فهي مثلها من أكبر المآسي الجماعية في التاريخ.
كان ضحاياها مسلمون ويهود نصّروا بقوّة ولكن السلط لم تكن تثق في صدق تديّنهم وتشكّ في ولائهم، وكانت تخشى ردود فعل بعضهم وما تدّعيه من تآمر محتمل ضدّها.
وبدعوى المحافظة على وحدة العقيدة بين الكاثوليك الإسبان وحماية الوحدة السياسية لإسبانيا أذن فليب الثالث سنة 1609 بطردهم بشدّة وبدون أجل. جاء في بحث للعالمة لوث لوباث بارلت شهادة مؤثرة للأب أزنار كردونا رأيت سردها عليكم :
" غادر هؤلاء البؤساء في التوقيت الذي حدّد لهم من قبل الضباط الملكيين ونزحوا سيرا على الأقدام أو على أحصنتهم وقد أخذت الحرارة كلّ مأخذ وهم يجهشون بالبكاء في مشهد امتزجت فيه أصواتهم وشكاويهم، ومصطحبين في ذلك نساءهم وأطفالهم ومرضاهم وأقاربهم المسنين وجميعهم، يلفهم الغبار وهم يتصببون عرقا ولهاثا، وكان البعض منهم في عربات تجرّ أغراضهم وما يملكون من أشياء. أما بقيّة المهجرين فكانوا راكبين مع ما لديهم من اختراعات عجيبة من سروج وبرادع وقنب كانت مخصصة لحمل الماء. وجميعها محاطة بحاجز معدني وأكياس المؤن وقرب ماء ومجموعة السلات وأدباش وأقمشة من نسيج الكتان ومعاطف وأشياء أخرى من نفس هذه الأنواع. وكلّ واحد منهم حمل ما يقدر عليه. حيث كان البعض منهم يمشي على الأقدام، رثّ الثياب، منتعلين أحذية قماشيّة. أما البعض الآخر، فقد وضعوا دثارا حول أعناقهم والبعض الآخر يجرون أحمالا صغيرة. وقد تمكنت نساؤهم من حمل ما قدرن عليه من حلي ورزم أخرى والجميع يقومون بتحيّة من كان ينظر إليهم مردّدين على أسماعهم ، كان الله في عونكم ورعاكم...
ومن ضمن تلك العربات والدواب وجميعها اكتريت، لأنهم لا يستطيعون أخذ ما يملكونه شخصيّا، إلاّ ما تمكنوا عليه من الأدباش والأموال التي تحصلوا عليها بعد بيع ممتلكاتهم حملوها معهم إلى حدود المملكة. وفي بعض الأحيان هناك عديد النساء (البعض أغنياء الموريسكيين). قد تحولن حقيقة إلى حاملات للجواهر والحلي أو هي عبارة عن أقراط فضيّة صغيرة، واضعات إياها في الرقبة وعلى الصدر أو معلّقة في أعناقهن أو في آذانهن. وهناك أشياء من المرجان محلاة بأشكال وألوان عديدة، قد غطت أدباش النساء، ساعيات لإخفاء جزء من حسرة قلوبهن. أما الذين لا يملكون شيئا، فكانوا يسيرون على الأقدام. وقد أخذهم التعب والمرض فهم ضائعون وكئيبون ومضطربون وخجلون وثائرون وغاضبون وهائجون وعطشى وجائعون".
توزع جلّ الموريسكيين الذين وصلوا ساحل النجاة على كلّ بلاد المغرب وعلى جنوب فرنسا وعلى ولاية طوسكانيا، وقد جاء منهم إلى تونس مائة ألف انتشروا في مختلف جهات البلاد.
اقتبلتهم تونس بترحاب وفتحت لهم ذراعيها وقد كان الداي عثمان متفهّما لوضعهم متعاطفا معهم، وكان الولي الصالح صالح أبو الغيث القشاش دافع عنهم وسهّل إقامتهم.
استفادت تونس من خبرتهم في الفلاحة والصناعة بقدر ما خسرتهم إسبانيا التي عرفت تدهورا اقتصاديّا بسبب خروجهم.
وقد تمكن اليهود عند نزولهم بتونس مباشرة أو بعد إقامة وقتيّة في الڤرنة Livorune حيث شجعهم حاكمها على العمل بها، تمكنوا من أداء مناسكهم الدينية بحريّة وبعث مجالس منهم هي واسطة بينهم وبين السلطة ترعى معابدهم وتدفع مرتبات رجال دينهم وتعنى بالفقراء والمرضى منهم وتنظر في نزاعاتهم بالاعتماد على شريعة دينهم.
سيداتي, سادتي,
إنّ سلوك التونسيين تجاه الموريسكيين مسلمين ويهودا هو مثال لتفتحهم وتسامحهم وقدرتهم على التعايش السلمي البناء مع كلّ الأديان وكلّ الحضارات.
إنها تقاليد ترسخت في تونس حافظ عليها الرئيس زين العابدين بن علي ودعمها من ذلك أنه وقد أحدث كرسيّا لحوار الحضارات أسنده لأستاذ كبير من خيرة أساتذتنا يقتبل في تونس رجالات من كلّ أنحاء العالم يلقون الكلمة الطيّبة وينقل في الندوة والاجتماعات في الخارج موقف تونس المنادي بالتسامح وبحوار الحضارات والأديان.
ومن ذلك ما يلقاه كلّ سنة في الغريبة اللقاء السنوي لليهود من ترحاب من طرف أهالي جربة ومن رعاية من طرف السلط مما تسبّب في ازدياد رواده الذين يأتون من كلّ العالم.
أتمنى لكم إقامة طيبة في ربوعنا، وأدعو لمؤتمركم هذا بالنجاح والتوفيق.
كلمة الأستاذ لوي كاردياك الرئيس الشرفي للجنة العالمية للدراسات الموريسكية
حضرة الوزير الأول الأستاذ الهادي البكوش
حضرة الأستاذ عبد الجليل التميمي
حضرات السيدات والسادة
منذ ربع قرن, عشرات الباحثين يجتمعون في تونس كل سنتين, استجابة للدعوة التي وجّهت إليهم من قبل اللجنة العالمية للدراسات الموريسكية ومؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات.
وتعد هذه السنة 2009, سنة استثنائية على أكثر من مستوى حيث نحتفي بالذكرى السنوية الرابعة لطرد الموريسكيين, وكذا بمرور 25 سنة على إنشاء اللجنة, ومعنى ذلك أن هناك جيلا جديدا من الباحثين قد انضموا إلينا الآن.
ونظرا إلى أنني أعتبر عميد الباحثين, إذ أنني الوحيد من بين الحاضرين الذي حضر أول المؤتمرات التي أطلقت الدراسات الموريسكية وقد نظم بأوفيادو (إسبانيا) سنة 1972 من قبل المرحوم الأستاذ غلماس دوفوانس (Galmés de Fuentès), يرجع إلى الشرف والمسؤولية بهذه الصفة أن أخذ الكلمة اليوم. وبادئ الأمر أود أن أحيي وبتأثر الأستاذ عبد الجليل التميمي الشخصية التونسية التي كانت خلال 25 سنة, وراء تأسيس وتنشيط هذه اللقاءات العلمية وتحركها الأساسي. فالأستاذ التميمي, رجل الإيمان والثقافة والأنسنة والجامعي المبرز والذي تمكن أن يقاسمنا حرصه للدفاع عن القضية الموريسيكية أقول جيدا القضية الموريسكية وها أنذا أشرح ما أود إبلاغه من هذه المبادرة.
إن الدفاع عن القضية الموريسكية, معناه إعطاء الكلمة لكل الذين حُرموا منها خلال القرن السادس عشر دفاعا عن الهوية العميقة لأشخاص حرموا من التعبير عن أصولهم الترابية ومنابع عقيدتهم الدينية,
وعليه فإن الأستاذ التميمي بتنظيمه هذه المؤتمرات, فتح عيوننا وعلمنا أن التاريخ الموريسكي هو تاريخ مجموعة اضطهدت بسبب عقيدتها الدينية وإن هذا التاريخ هو
أحد الفصول الأخيرة والمحزنة للتاريخ الأندلسي.
وقد ساعدنا الأستاذ التميمي على نزع الرؤية الأحادية الغربية للتاريخ الموريسكي والذي هو واقعا وحقيقة أحد فصول التاريخ للشعوب العربية.
لقد أدركت هذه الحقيقة الأساسية لدى حضوري مختلف مؤتمرات تونس وكذا مؤتمرا آخر تم عقده بالرياض بالمملكة العربية السعودية. وفي تونس والرياض أدركت تماما كيف أن ذكرى الحقبة الأندلسية وفترات إشعاعها وانتكاستها, كانت ماثلة في المخيال العربي الإسلامي.
وبالإضافة إلى ذلك فإن الأستاذ التميمي قد جعلنا نتعرف على باحثي العالم العربي, فاتحا لنا آفاقا جديدة, وأحب أن أتوقف حول أحد مظاهر هذا النشاط وهو قيامه بتعريب عديد الأعمال ونشرها, واضعا بذلك على ذمة الباحثين جميعا, مجموعة أساسية من أعمال الموريسكولوجيا, حيث توفق للتغلب على عديد المصاعب لتحقيق الحوار رغم عوائق اللغة. وإن ما أثمنه في الرسالة التي يؤديها هنا بتونس الأستاذ التميمي, أنه المؤمن بالمسؤولية الكاملة للحفاظ على الذاكرة الموريسيكية, وهذا تواصلا بشكل بارز, ما قام به المسؤولون السياسيون يومئذ عندما أحسنوا استقبال هؤلاء المهجرين ونظرا لصفته مؤرخا, فقد أدى ذلك إلى أن يستوعب تماما مأساة التهجير ويجعله يلتزم شخصيا بالحفاظ والعمل على ذاكرة الشعب الموريسكي حية, حتى يتم الاعتراف رسميا بهذه المأساة.
إني أذهب إلى الاعتقاد, صديقي العزيز, أن جميع المشاركين في المؤتمر, يؤيدون مبادراتكم وهم مجندون وراءكم لدعمكم في هذا المسعى, إن حضور العديد من الباحثين اليوم من مختلف دول العالم, يؤكد ذلك بما في ذلك رجال السياسة ومن بينهم الوزير الأول السيد الهادي البكوش.
وفي الختام, اسمحوا لي أن أثير هنا ذكرى أصدقاء وباحثين قد انتقلوا مؤخرا إلى رحمة الله وهم الذين ساهموا بالحفاظ على ذكرى الفاجعة الموريسكية, ذاكرا بصفة خاصة الأساتذة ألفارو غالماس دوفوانس Álvaro Galmes De Fuentes وماريا صولداد أورغواتي Maria Soleded Urgoiti ذوي الثقافة الواسعة والحس المرهف وكذا ميكال دي إيبلزا Mickel de Epalza, الذي لولاه لما كنت حاضرا بينكم اليوم, فهو الذي قاد خطواتي الأولى في تخصص تاريخ الموريسكيين ومعرفة الماضي التونسي وبصفة خاصة علاقة ذلك بإسبانيا. وأثير اليوم بتأثر بالغ زياراتنا المتكررة لضريح عبد الله الترجمان وبفضل الأستاذ دي إيبلزا تعرفت على عديد العائلات التي مازالت تفتخر إلى اليوم بأصولها الموريسكية.
هذا حضرة الأستاذ ما وددت أن أبوح به علنيا, وأضيف فقط التعبير عن أمل وهو أن يمن علي الله بالعودة إلى تونس رغم بعد المسافة. لنحتفل إلى جانبكم بتحقيق هذا المشروع الذي تولونه كبير عنايتكم والمتمثل في الاعتراف الرسمي بهذه المأساة الموريسكية من طرف أعلى السلطات الإسبانية والحكومات العربية. وأنا على يقين أن هذا اليوم سوف يأتي حتما, وسنحتفل يوما وجميعا, بهذه الذكرى كما وأن يوما سيأتي, إن شاء الله, لنقيم في تونس أو في أحد الأماكن التي استقر فيها الموريسكيون بتستور أو زغوان أو نابل أو غيرها, نصبا تذكاريا يسجل فيه مأساة شعب رفض التخلي عن هويته وفي نفس الوقت الإشادة بالاستقبال الرائع الذي لقيه على الأرض التونسية.
كلمة الأستاذ لوي كاردياك في اختتام المؤتمر
أنا سعيد بأخذ الكلمة لأشكر الأستاذ التميمي على تنظيم هذا المؤتمر الذي كان مؤتمرا استثنائيا وبالنسبة لي فهو مؤتمر استثنائي من وجهتين :
أولاهما : علميا إذ استمعنا إلى بحوث في مستوى علمي رفيع جدّا وهو ما سمح بتسجيل تقدم ملموس لمعارفنا حول الموريسكيين. ومن جهة ثانية : فالأمر يتعلق بتنظيم المؤتمر نفسه بتونس، وقد لمسنا جميعا مدى الاستقبال الذي حظينا به في تونس الذي صاحب كل مؤتمراتنا السابقة والى اليوم وأن ذكرياتنا خلال هذه الأيام كانت وستبقى حية ورائعة جدّا.
وأحب هنا أن أشدد على شيء خاص ومرتبط بهذه المؤتمرات وهو هذا المناخ الحميمي للمؤتمر الذي تناول ملف الموريسكيين والذي أصبح بالنسبة لنا جميعا، موضوعا إنسانيا نعيش أبعاده في كل لحظة.
وأذكر هنا فقط أني استلمت مؤخرا رسالة إلكترونية من أحد الزملاء من المغرب الأقصى وأنا لا أعرفه سابقا، وقد استمع إليّ أثناء إلقاء محاضرتي في مؤتمر غرناطة، ليقول لي : عزيزي الأستاذ، بعد أن استمعت إلى ما ذكرتموه وعلى الأخص للطريقة التي أبلغتمونا إياها، فإني أؤكد أنكم بالفعل قد تقمصتم هؤلاء الموريسكيين.
وها أنذا أقول إلى كل واحد منكم، إن خاصية مؤتمرات تونس، هو أن الموضوع ليس مجرّدا، وإنما هو شيء واقعي وأني لدى استماعي إليكم جميعا، فإني أكرر هنا نفس القول وبصدق أن خصوصية مؤتمرات تونس أننا واقعا وحقيقة قد تقمصنا جسدا وروحا الموريسكيين.
إن هذا التعاطف الذي أبديناه لموضوع الموريسكيين، قد شعرت به في كل الجلسات العلمية وبصفة خاصة اليوم خلال حصة ما بعد الزوال.
وأننا إذا نوهنا بالسيد التميمي، فإننا ننوه بكل الموريسكيين الذين تناولنا طردهم منذ 400 سنة !
أتوقف عند هذا الحد لأقول لكم بكل بساطة بأني سعيد هنا لملاقاة أصدقاء لم أقابلهم منذ 20 أو 30 سنة كما وأني تعرفت على أصدقاء جدد من الجيل الجديد الصاعد من الموريسكولوجيين الذين يتمتعون بقيمة علمية عالية.
هذا ما وددت أن أبوح به بكل بساطة، مجدّدا الشكر للجميع
Fuente: Fondation Tmimi
سيادة الوزير الأول الأستاذ الهادي البكوش
حضرة الأستاذ لوي كاردياك
حضرة الأستاذة لوث لوباث بارلت
حضرات ضيوفنا الكرام
سيداتي سادتي، أيها الجمع الكريم،
بادئ الأمر أدعوكم للوقوف دقيقة صمت ترحما على عالمين اسبانيين جليلين انتقلا إلى ربهما بعد أن أديا أجل الخدمات البحثية في علم الموريسكولوجي وهما الأستاذان ميكال دي إيبلزا وخيل رودلفو غريمو !
****
لقد شرعنا في تنظيم هذه السلسلة من المؤتمرات العلمية المتخصّصة، حول الموريسكيين الأندلسيين منذ سنة 1983 وقد دأبنا على عقدها بانتظام كل سنتين بمشاركة عدد من أهم الموريسكولوجيين في العالم. وقد توجت بنتائج إيجابية جدّا، بما جعلها مكاسب علمية هامة. وفي هذا الإطار حرصنا على موقعة إسبانيا موقعا جديدا في جدلية تفعيل هذا التراث العربي الأندلسي، انطلاقا من إيماننا بأن ما يجمع إسبانيا اليوم بالعالم العربي والإسلامي هو زخم هذا التراث الحضاري الخالد للأندلس، أندلس التوافق والانسجام المجتمعي، أندلس التسامح الحقيقي بين مختلف الطوائف العرقية والدينية والتي تعايشت بانسجام وتكامل مثاليين، أندلس العلم والمعرفة والعقلنة والإبداع في عديد المجالات وقد شهد بذلك الجميع !
أما مؤتمرنا الحالي والذي نعقده بمناسبة ذكرى مرور 400 سنة على طرد الموريسكيين من الأندلس، فيندرج في صلب اهتمامنا العلمي البحت بهذا الملف. وأنه توافقا مع نتائج الدراسات التي نشرت حتى اليوم، فإن هؤلاء الموريسكيين المهجرين عاشوا هذه الفاجعة اللاإنسانية بكل المقاييس وتفرقوا شذر مذر وديست أبسط حقوقهم وكرامتهم الإنسانية، وقد استبسلوا للدفاع عن كينونتهم وانتمائهم الحضاري ضد سياسات محاكم التفتيش الجائرة التي تفننت في ملاحقتهم للقضاء عليهم بأبشع صنوف التعذيب والحرق أحياء والاستيلاء على ممتلكاتهم العقارية والمنقولة, وتصفية تراثهم الفكري والحضاري والثقافي وتحويل كل جوامعهم ومدارسهم وجامعاتهم إلى كنائس أو فضاءات عمومية، وقد نكثت العهود التي قطعت لهم من طرف الملكين الكاثوليكيين الإسبانيين يوم تسليم غرناطة، ونجحت محاكم التفتيش في اقتلاع جذور الموريسكيين من أرض الأندلس تماما، وهي مأساة رهيبة لحقت بالأمة الموريسكية الأندلسية.
وإزاء هذه المأساة، احتفظ لنا التاريخ عبر المدونات الأدبية والشعرية التي تركها لنا الشعراء والكتاب الأندلسيون أنفسهم وكذا الأوربيون القدامى، ملاحم وروائع وشواهد خالدة، تشهد بفظاعة الفاجعة, وهو ما يفسر اهتمام مئات الباحثين من الإسبان عموما والعرب والأوربيين والأمريكيين وغيرهم، بإبراز ذلك في كتاباتهم المختلفة الأدبية منها والفنية والمسرحية. ولا شك أن الرسوم المعروضة اليوم في المتاحف الوطنية الإسبانية، شاهد على فظاعة هذه الفاجعة ؛ وفي هذا التوجه فإن السينمائيين الإسبان، مشكورين، قاموا بإعداد أفلام قصيرة وطويلة، لنقل صورة مصغرة عن هذه المأساة الفاجعة التي حلت بالموريسكيين ونحن ننوه بمثل هذه المبادرات المهمة جدّا والشجاعة في غياب اهتمام السينمائيين العرب والمسلمين مع أسفنا الشديد لذلك !
لقد منحت الأندلس لإسبانيا اليوم الإيمان بأهمية تحالف الحضارات عندما أمضى رئيس وزرائها مع رئيس وزراء تركيا، حلفا باركته منظمة الأمم المتحدة وأصبح اليوم من أهم مرجعياتها الفكرية والحوارية على الصعيد الدولي، وهذه هي حتما الخلفية التي كانت وراء دعوتنا للسلط الإسبانية العليا, لتطبيق مضامين هذا الحلف الحضاري على التاريخ الموريسكي الأندلسي واعتبار ما حل بالموريسكيين، مأساة وفاجعة في التاريخ الإسباني الحديث، لا يتوافق حتما مع بنود هذه الاتفاقية، ذاهبين إلى الاعتقاد أن عدم استجابة السلط الإسبانية العليا لندائنا الحضاري الذي أطلقناه منذ 18 سنة ، يتنافى مع جوهر بنود تحالف الحضارات التي تزعمته إسبانيا وتركيا اليوم. وإزاء هذا الرفض المتجدد إلى اليوم، سوف نبقى نطالب إسبانيا بالإقرار بأن محاكم التفتيش ارتكبت أشنع مأساة إنسانية في حق الموريسكيين، بتنفيذ قرار الملك فيليب الثالث القاضي بالطرد الجماعي للأندلسيين، وإننا لنطالب بإدانة هذا القرار الجائر.
إن مؤتمرنا الرابع عشر والذي يجمع نخبة من الموريسكولوجيين الدوليين والمغاربين سيعالج عديد الإشكاليات البحثية في كنف الاحترام المتبادل والحوار العلمي البناء والصداقة والشفافية التي تجمعنا. وليتأكد الجميع أننا منذ ربع قرن قمنا بإرساء تقاليد بحثية نعتز بها, خدمة للتاريخ الموريسكي الأندلسي.
ومن جهة أخرى، تأكد للجميع أن مبحث علم الموريسكولوجيا سجّل تطورا مذهلا باستقطاب الجيل الجديد من الباحثين الدوليين، نتيجة الاكتشافات الجديدة من مخطوطات ووثائق إسبانية وأوربية وعربية وعثمانية ومن دور أرشيفات ومكتبات أمريكا اللاتينية أيضا، وتمّ ذلك على أيدي الباحثين المؤمنين بالتواصل العلمي، إذ لا هيمنة ولا تطاول لفريق من الباحثين على غيرهم، أو غمط للإنجازات البحثية التي حققها العديد من المتخصصين غير الأوربيين، وعلى الجميع استخلاص العبرة والدرس من إنجازات باحثي جامعة بورتوريكو تحت إشراف الأستاذة المتميّزة د. لوث لوباث بارلت, والتي شكلت تجربتها البحثية في جامعتها وفي مخبرها العلمي مع فريقها المتحمس حول الأدب الألخميادو، أجمل وأروع الأمثلة على هذا التوافق والإنجاز البحثي، خدمة للحقيقة التاريخية دون استعلاء أو مركب غرور أو هيمنة فكرية على الآخرين.
وكما هو معلوم لدى الجميع فإن تونس قد سجلت صفحة ناصعة ومشرفة من التسامح الحق وكرم الضيافة عندما توجه إليها مائة ألف موريسكي، وجدوا على أديمها كل المقومات الإنسانية والحضارية التي افتقدوها تماما في أندلسهم على إثر طردهم القسري سنة 1609. كما احتضن المغرب الأقصى والجزائر والدولة العثمانية وعديد المدن المتوسطية، قسما مهما آخر من هؤلاء المهجرين. وإن تونس التسامح الحق، لفخورة بوجودكم وتشريفكم لها، وهذا هو مبعث اعتزازنا في هذه المؤسسة البحثية الأكاديمية المستقلة علميا، راجين التوفيق في أعمالنا وحواراتنا من أجل التذكير بالتراث الموريسكي، وفاء منّا لهذه الأمة الأندلسية الباسلة والجريحة والتي نحن مؤتمنون للحفاظ على سجل بطولاتها الرائعة وصمودها المستميت، حين لا يتم نسيان أو إهمال ذلك من طرف الجميع في عالمنا العربي والإسلامي بصفة خاصة.
كلمة شكر وتقدير عاليين نوجّهها إلى كل من شد أزرنا بالقول والفعل وساهم من منطلقات مبدئية ثابتة, تذليل عديد العقبات التي اعترضت سبيلنا, وتلك هي ضريبة الإصداع بالحقيقة التاريخية والدفاع عن المبادئ والقناعات والتي لن نقبل بالتخلي عنها أو التهاون بمضامينها، مهما كانت التحديات والإغراءات. وسنواصل رسالتنا البحثية بكل شفافية وصدق وتعلق صادق ودفاع عن التراث الموريسكي-الأندلسي.
وإليكم سيادة الوزير الأول كل الشكر والتقدير على تفضلكم بمشاركتنا هذه الجلسة الافتتاحية، وتلك هي إيماءة ومكرمة رائعة يثمنها جمعنا هذا.
والشكر لكم أنتم أيها الباحثون ممن استثاقونا منذ ثلاثين سنة وواصلوا دعمنا العلمي وأننا لنعد مشاركتكم اليوم في هذا المؤتمر بهذه الكثافة العددية من عديد الدول المغاربية والأمريكية والأوربية والآسيوية، دليلا جديدا وساطعا على حرصكم على التواصل مع مؤسستنا الأكاديمية لخدمة التاريخ والآداب الموريسكيين، على الرغم من تنظيم مؤتمر مواز لمؤتمرنا في غرناطة قبل ثلاثة أيام فقط وساهمت فيه عديد السلط الإسبانية الرسمية، وذلك ملف آخر لا نودّ إثارته هنا. فإليكم معشر الباحثين عظيم التقدير والامتنان لمواقفكم الرائعة ودعمكم العلمي المتجدّد والســلام.
كلمة السيد الهادي البكوش الوزير الأول الأسبق
إنه لشرف عظيم أن أحضر مؤتمرا دوليّا للدراسات الموريسيكية الأندلسية، تشارك فيه نخبة ممتازة من الكفاءات العلميّة المرموقة من بلاد كثيرة في العالم إحياء للذكرى المائوية الرّابعة لطرد الموريسكيين من الأندلس.
إني أشكر أخي وصديقي الدكتور عبد الجليل التميمي باعث ورئيس مؤسّسة التميمي الذي دعاني إلى مؤتمركم هذا ورغب مني إلقاء كلمة بالمناسبة بصفتي مواطنا تونسيّا باشر مسؤوليات هامّة في الدولة وهو شديد الاهتمام بما يقدّمه رجال الفكر من أعمال تساعد على فهم ما وقع في العالم ماضيا وحاضرا وتسهّل مواجهة المستقبل بعلم ودراية.
للمرّة الرابعة عشرة تنظّم مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات مؤتمرا دوليّا للبحث عن إحدى كبار المآسي التي عرفتها الانسانية وتنجح ويرجع الفضل في ذلك إلى ما يبذله المسؤولون من جهد جبّار وما يتحلّون به من مثابرة.
سيداتي, سادتي,
أهنّئكم بذلك وأتمنّى لهم توفيقا دائما للبحث عن المعاناة التي قاساها الموريسكيون في أوائل القرن السابع عشر، غايات علمية نبيلة وقد تكون لها مقاصد أخرى أهمها التعريف بها واستخلاص العبر منها بما يسهل اجتنابها. إنّه من الخطإ السكوت عن المآسي الكبرى التي عرفتها الانسانية والجرائم العظمى التي يقترفها الانسان ضد أخيه الانسان، إنه من الخطير نسيانها أو تناسيها.
إن اهتدت الانسانية بعد حربين عالميتين مدمّرتين إلى تنظيمات واستنبطت طرقا جنّبتنا طيلة 60 عاما حربا عالميّة ثالثة، فإنّها لم تنجح في اجتناب فتن داخليّة لا تقلّ خطورة عن الحروب بين الدول في عمليات إبادة جماعية لا رحمة فيها، تفوق كل التصوّرات تقوم بها دول قويّة متميزة ضدّ أقليات مغلوبة ضعيفة لا حول ولا قوّة لها. وهي جرائم ضد الانسانيّة لا يقبلها العقل ولا يرتاح إليها الضمير, لم تحد قرارا الأمم المتحدة والمحكمة الدولية وحق التدخل من تكرارها. أشير للتذكير إلى خمس عيات منها :
* الأولى : ذهب ضحيّتها قرابة الخمسة ملايين يهودي من ألمانيا وأوربا أبادتهم حكومة هتلر النازية بغية إنهاء مشكل اليهوديّة بصفة نهائية، وقد دفع العرب لذلك ثمنا غاليا ومازالوا يدفعون.
* الثانية وقعت في رواندا حيث أقدمت حكومة البلاد لمدّة مائة يوم سنة 1994 محمية بقبيلة الهوتو وبتواطئ دولي على إبادة ثمانمائة ألف توتسي.
* الثالثة جرت في بلاد يوغسلافيا سابقا حيث عامل السرب مسلمي "البوسنة والهرسك" بقسوة شديدة وقاموا بمجزرة سربرينسكا الشهيرة، قتلوا فيها مئات من الأبرياء، بدافع التعصّب العرقي وإرادة الهيمنة.
* الرّابعة فإنها تقع في فلسطين وفي غزّة خاصة طرفاها جيش من أقوى جيوش العالم تنظيما وعتادا من جهة ومن جهة ثانية شعب مسلوب ضعيف أعزل يشكو التشرّد والجوع والفقر.
* أما الخامسة فإنها تقع في سريلانكا حيث تلاحق الحكومة أقليّة أثنية تتكوّن من التمول Tamoul للقضاء عليها وإبادتها.
أما مأساة الموريسكيين التي مرّ عليها اليوم أربعة قرون، فهي مثلها من أكبر المآسي الجماعية في التاريخ.
كان ضحاياها مسلمون ويهود نصّروا بقوّة ولكن السلط لم تكن تثق في صدق تديّنهم وتشكّ في ولائهم، وكانت تخشى ردود فعل بعضهم وما تدّعيه من تآمر محتمل ضدّها.
وبدعوى المحافظة على وحدة العقيدة بين الكاثوليك الإسبان وحماية الوحدة السياسية لإسبانيا أذن فليب الثالث سنة 1609 بطردهم بشدّة وبدون أجل. جاء في بحث للعالمة لوث لوباث بارلت شهادة مؤثرة للأب أزنار كردونا رأيت سردها عليكم :
" غادر هؤلاء البؤساء في التوقيت الذي حدّد لهم من قبل الضباط الملكيين ونزحوا سيرا على الأقدام أو على أحصنتهم وقد أخذت الحرارة كلّ مأخذ وهم يجهشون بالبكاء في مشهد امتزجت فيه أصواتهم وشكاويهم، ومصطحبين في ذلك نساءهم وأطفالهم ومرضاهم وأقاربهم المسنين وجميعهم، يلفهم الغبار وهم يتصببون عرقا ولهاثا، وكان البعض منهم في عربات تجرّ أغراضهم وما يملكون من أشياء. أما بقيّة المهجرين فكانوا راكبين مع ما لديهم من اختراعات عجيبة من سروج وبرادع وقنب كانت مخصصة لحمل الماء. وجميعها محاطة بحاجز معدني وأكياس المؤن وقرب ماء ومجموعة السلات وأدباش وأقمشة من نسيج الكتان ومعاطف وأشياء أخرى من نفس هذه الأنواع. وكلّ واحد منهم حمل ما يقدر عليه. حيث كان البعض منهم يمشي على الأقدام، رثّ الثياب، منتعلين أحذية قماشيّة. أما البعض الآخر، فقد وضعوا دثارا حول أعناقهم والبعض الآخر يجرون أحمالا صغيرة. وقد تمكنت نساؤهم من حمل ما قدرن عليه من حلي ورزم أخرى والجميع يقومون بتحيّة من كان ينظر إليهم مردّدين على أسماعهم ، كان الله في عونكم ورعاكم...
ومن ضمن تلك العربات والدواب وجميعها اكتريت، لأنهم لا يستطيعون أخذ ما يملكونه شخصيّا، إلاّ ما تمكنوا عليه من الأدباش والأموال التي تحصلوا عليها بعد بيع ممتلكاتهم حملوها معهم إلى حدود المملكة. وفي بعض الأحيان هناك عديد النساء (البعض أغنياء الموريسكيين). قد تحولن حقيقة إلى حاملات للجواهر والحلي أو هي عبارة عن أقراط فضيّة صغيرة، واضعات إياها في الرقبة وعلى الصدر أو معلّقة في أعناقهن أو في آذانهن. وهناك أشياء من المرجان محلاة بأشكال وألوان عديدة، قد غطت أدباش النساء، ساعيات لإخفاء جزء من حسرة قلوبهن. أما الذين لا يملكون شيئا، فكانوا يسيرون على الأقدام. وقد أخذهم التعب والمرض فهم ضائعون وكئيبون ومضطربون وخجلون وثائرون وغاضبون وهائجون وعطشى وجائعون".
توزع جلّ الموريسكيين الذين وصلوا ساحل النجاة على كلّ بلاد المغرب وعلى جنوب فرنسا وعلى ولاية طوسكانيا، وقد جاء منهم إلى تونس مائة ألف انتشروا في مختلف جهات البلاد.
اقتبلتهم تونس بترحاب وفتحت لهم ذراعيها وقد كان الداي عثمان متفهّما لوضعهم متعاطفا معهم، وكان الولي الصالح صالح أبو الغيث القشاش دافع عنهم وسهّل إقامتهم.
استفادت تونس من خبرتهم في الفلاحة والصناعة بقدر ما خسرتهم إسبانيا التي عرفت تدهورا اقتصاديّا بسبب خروجهم.
وقد تمكن اليهود عند نزولهم بتونس مباشرة أو بعد إقامة وقتيّة في الڤرنة Livorune حيث شجعهم حاكمها على العمل بها، تمكنوا من أداء مناسكهم الدينية بحريّة وبعث مجالس منهم هي واسطة بينهم وبين السلطة ترعى معابدهم وتدفع مرتبات رجال دينهم وتعنى بالفقراء والمرضى منهم وتنظر في نزاعاتهم بالاعتماد على شريعة دينهم.
سيداتي, سادتي,
إنّ سلوك التونسيين تجاه الموريسكيين مسلمين ويهودا هو مثال لتفتحهم وتسامحهم وقدرتهم على التعايش السلمي البناء مع كلّ الأديان وكلّ الحضارات.
إنها تقاليد ترسخت في تونس حافظ عليها الرئيس زين العابدين بن علي ودعمها من ذلك أنه وقد أحدث كرسيّا لحوار الحضارات أسنده لأستاذ كبير من خيرة أساتذتنا يقتبل في تونس رجالات من كلّ أنحاء العالم يلقون الكلمة الطيّبة وينقل في الندوة والاجتماعات في الخارج موقف تونس المنادي بالتسامح وبحوار الحضارات والأديان.
ومن ذلك ما يلقاه كلّ سنة في الغريبة اللقاء السنوي لليهود من ترحاب من طرف أهالي جربة ومن رعاية من طرف السلط مما تسبّب في ازدياد رواده الذين يأتون من كلّ العالم.
أتمنى لكم إقامة طيبة في ربوعنا، وأدعو لمؤتمركم هذا بالنجاح والتوفيق.
كلمة الأستاذ لوي كاردياك الرئيس الشرفي للجنة العالمية للدراسات الموريسكية
حضرة الوزير الأول الأستاذ الهادي البكوش
حضرة الأستاذ عبد الجليل التميمي
حضرات السيدات والسادة
منذ ربع قرن, عشرات الباحثين يجتمعون في تونس كل سنتين, استجابة للدعوة التي وجّهت إليهم من قبل اللجنة العالمية للدراسات الموريسكية ومؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات.
وتعد هذه السنة 2009, سنة استثنائية على أكثر من مستوى حيث نحتفي بالذكرى السنوية الرابعة لطرد الموريسكيين, وكذا بمرور 25 سنة على إنشاء اللجنة, ومعنى ذلك أن هناك جيلا جديدا من الباحثين قد انضموا إلينا الآن.
ونظرا إلى أنني أعتبر عميد الباحثين, إذ أنني الوحيد من بين الحاضرين الذي حضر أول المؤتمرات التي أطلقت الدراسات الموريسكية وقد نظم بأوفيادو (إسبانيا) سنة 1972 من قبل المرحوم الأستاذ غلماس دوفوانس (Galmés de Fuentès), يرجع إلى الشرف والمسؤولية بهذه الصفة أن أخذ الكلمة اليوم. وبادئ الأمر أود أن أحيي وبتأثر الأستاذ عبد الجليل التميمي الشخصية التونسية التي كانت خلال 25 سنة, وراء تأسيس وتنشيط هذه اللقاءات العلمية وتحركها الأساسي. فالأستاذ التميمي, رجل الإيمان والثقافة والأنسنة والجامعي المبرز والذي تمكن أن يقاسمنا حرصه للدفاع عن القضية الموريسيكية أقول جيدا القضية الموريسكية وها أنذا أشرح ما أود إبلاغه من هذه المبادرة.
إن الدفاع عن القضية الموريسكية, معناه إعطاء الكلمة لكل الذين حُرموا منها خلال القرن السادس عشر دفاعا عن الهوية العميقة لأشخاص حرموا من التعبير عن أصولهم الترابية ومنابع عقيدتهم الدينية,
وعليه فإن الأستاذ التميمي بتنظيمه هذه المؤتمرات, فتح عيوننا وعلمنا أن التاريخ الموريسكي هو تاريخ مجموعة اضطهدت بسبب عقيدتها الدينية وإن هذا التاريخ هو
أحد الفصول الأخيرة والمحزنة للتاريخ الأندلسي.
وقد ساعدنا الأستاذ التميمي على نزع الرؤية الأحادية الغربية للتاريخ الموريسكي والذي هو واقعا وحقيقة أحد فصول التاريخ للشعوب العربية.
لقد أدركت هذه الحقيقة الأساسية لدى حضوري مختلف مؤتمرات تونس وكذا مؤتمرا آخر تم عقده بالرياض بالمملكة العربية السعودية. وفي تونس والرياض أدركت تماما كيف أن ذكرى الحقبة الأندلسية وفترات إشعاعها وانتكاستها, كانت ماثلة في المخيال العربي الإسلامي.
وبالإضافة إلى ذلك فإن الأستاذ التميمي قد جعلنا نتعرف على باحثي العالم العربي, فاتحا لنا آفاقا جديدة, وأحب أن أتوقف حول أحد مظاهر هذا النشاط وهو قيامه بتعريب عديد الأعمال ونشرها, واضعا بذلك على ذمة الباحثين جميعا, مجموعة أساسية من أعمال الموريسكولوجيا, حيث توفق للتغلب على عديد المصاعب لتحقيق الحوار رغم عوائق اللغة. وإن ما أثمنه في الرسالة التي يؤديها هنا بتونس الأستاذ التميمي, أنه المؤمن بالمسؤولية الكاملة للحفاظ على الذاكرة الموريسيكية, وهذا تواصلا بشكل بارز, ما قام به المسؤولون السياسيون يومئذ عندما أحسنوا استقبال هؤلاء المهجرين ونظرا لصفته مؤرخا, فقد أدى ذلك إلى أن يستوعب تماما مأساة التهجير ويجعله يلتزم شخصيا بالحفاظ والعمل على ذاكرة الشعب الموريسكي حية, حتى يتم الاعتراف رسميا بهذه المأساة.
إني أذهب إلى الاعتقاد, صديقي العزيز, أن جميع المشاركين في المؤتمر, يؤيدون مبادراتكم وهم مجندون وراءكم لدعمكم في هذا المسعى, إن حضور العديد من الباحثين اليوم من مختلف دول العالم, يؤكد ذلك بما في ذلك رجال السياسة ومن بينهم الوزير الأول السيد الهادي البكوش.
وفي الختام, اسمحوا لي أن أثير هنا ذكرى أصدقاء وباحثين قد انتقلوا مؤخرا إلى رحمة الله وهم الذين ساهموا بالحفاظ على ذكرى الفاجعة الموريسكية, ذاكرا بصفة خاصة الأساتذة ألفارو غالماس دوفوانس Álvaro Galmes De Fuentes وماريا صولداد أورغواتي Maria Soleded Urgoiti ذوي الثقافة الواسعة والحس المرهف وكذا ميكال دي إيبلزا Mickel de Epalza, الذي لولاه لما كنت حاضرا بينكم اليوم, فهو الذي قاد خطواتي الأولى في تخصص تاريخ الموريسكيين ومعرفة الماضي التونسي وبصفة خاصة علاقة ذلك بإسبانيا. وأثير اليوم بتأثر بالغ زياراتنا المتكررة لضريح عبد الله الترجمان وبفضل الأستاذ دي إيبلزا تعرفت على عديد العائلات التي مازالت تفتخر إلى اليوم بأصولها الموريسكية.
هذا حضرة الأستاذ ما وددت أن أبوح به علنيا, وأضيف فقط التعبير عن أمل وهو أن يمن علي الله بالعودة إلى تونس رغم بعد المسافة. لنحتفل إلى جانبكم بتحقيق هذا المشروع الذي تولونه كبير عنايتكم والمتمثل في الاعتراف الرسمي بهذه المأساة الموريسكية من طرف أعلى السلطات الإسبانية والحكومات العربية. وأنا على يقين أن هذا اليوم سوف يأتي حتما, وسنحتفل يوما وجميعا, بهذه الذكرى كما وأن يوما سيأتي, إن شاء الله, لنقيم في تونس أو في أحد الأماكن التي استقر فيها الموريسكيون بتستور أو زغوان أو نابل أو غيرها, نصبا تذكاريا يسجل فيه مأساة شعب رفض التخلي عن هويته وفي نفس الوقت الإشادة بالاستقبال الرائع الذي لقيه على الأرض التونسية.
كلمة الأستاذ لوي كاردياك في اختتام المؤتمر
أنا سعيد بأخذ الكلمة لأشكر الأستاذ التميمي على تنظيم هذا المؤتمر الذي كان مؤتمرا استثنائيا وبالنسبة لي فهو مؤتمر استثنائي من وجهتين :
أولاهما : علميا إذ استمعنا إلى بحوث في مستوى علمي رفيع جدّا وهو ما سمح بتسجيل تقدم ملموس لمعارفنا حول الموريسكيين. ومن جهة ثانية : فالأمر يتعلق بتنظيم المؤتمر نفسه بتونس، وقد لمسنا جميعا مدى الاستقبال الذي حظينا به في تونس الذي صاحب كل مؤتمراتنا السابقة والى اليوم وأن ذكرياتنا خلال هذه الأيام كانت وستبقى حية ورائعة جدّا.
وأحب هنا أن أشدد على شيء خاص ومرتبط بهذه المؤتمرات وهو هذا المناخ الحميمي للمؤتمر الذي تناول ملف الموريسكيين والذي أصبح بالنسبة لنا جميعا، موضوعا إنسانيا نعيش أبعاده في كل لحظة.
وأذكر هنا فقط أني استلمت مؤخرا رسالة إلكترونية من أحد الزملاء من المغرب الأقصى وأنا لا أعرفه سابقا، وقد استمع إليّ أثناء إلقاء محاضرتي في مؤتمر غرناطة، ليقول لي : عزيزي الأستاذ، بعد أن استمعت إلى ما ذكرتموه وعلى الأخص للطريقة التي أبلغتمونا إياها، فإني أؤكد أنكم بالفعل قد تقمصتم هؤلاء الموريسكيين.
وها أنذا أقول إلى كل واحد منكم، إن خاصية مؤتمرات تونس، هو أن الموضوع ليس مجرّدا، وإنما هو شيء واقعي وأني لدى استماعي إليكم جميعا، فإني أكرر هنا نفس القول وبصدق أن خصوصية مؤتمرات تونس أننا واقعا وحقيقة قد تقمصنا جسدا وروحا الموريسكيين.
إن هذا التعاطف الذي أبديناه لموضوع الموريسكيين، قد شعرت به في كل الجلسات العلمية وبصفة خاصة اليوم خلال حصة ما بعد الزوال.
وأننا إذا نوهنا بالسيد التميمي، فإننا ننوه بكل الموريسكيين الذين تناولنا طردهم منذ 400 سنة !
أتوقف عند هذا الحد لأقول لكم بكل بساطة بأني سعيد هنا لملاقاة أصدقاء لم أقابلهم منذ 20 أو 30 سنة كما وأني تعرفت على أصدقاء جدد من الجيل الجديد الصاعد من الموريسكولوجيين الذين يتمتعون بقيمة علمية عالية.
هذا ما وددت أن أبوح به بكل بساطة، مجدّدا الشكر للجميع
Fuente: Fondation Tmimi
الاندلس صبا
ReplyDeleteالله اكبر كان الليل موعدهم ***** وكان في فيافيهم الغبراء مرتقب
جازوا الى عدوةالجهال فانقشعت ***** قطع الظلام وجاء الخير مختضب
طيب بطيبة نفاح لاندلس قد ***** بدل الخبث طهرا حطم النصب
يا ليل قرطبة الغراء المنا ان ***** لا نعزيك هذي القدس تنتحب
من جهل ذات القوم ما برحوا ***** رغم القرون طوائف قسمت عصب
اين الرجال و قد كانوا اذا نزلت***** فيك الملمات جاؤوا رغم مكترب
يا ليل غزة في غرناطة امتحنت ***** عبر القرون ضياع ضيعت نهب
كانوااسود على ميدانك خيلا ***** تجري الى المجد لا تخشى من النشب
كم من رجال بدين الله ارتفعت ***** نحو العلى فعلت حقا و لا كذب
ماذا دهاك بلاد الغرب حق لنا***** فيك البكاء فخلي الدمع ينسكب
لما جرت فيك شعواء بلا هود ***** و كنت قبلا جنان عانقت سحب
جائتك قطعان قوم ليس ديدنهم***** الا الخراب و هذا بعض ما خرب
ترب المصلين فيها جرفت فبدت***** منها اللحود يسجي عظمها هبب
ما ضر شاة بعيد الذبح ان سلخت***** هذا مثيل و لكن مثله عبب
انا و انصار في الايام معيرة***** فينا الكريم و فينا ما بدا عجب
لا زال في دغلك الموحوش مرتجف ***** من المحارق يدعوا انما رهب
سيماء وجه بلنسي به لمح***** من الجدود وندري انهم عرب
اهل الصليب تمادوا في مشارقنا***** حضت محارق من شعوائك الغرب
كم قدعرفنا بهم غدرا بلا ندم ***** حتى كررنا على ارك بلا جرب
زلاقة صارتبها الفرسان تنزلق***** من الدماء فنعم الحرب تحترب
ثم انزلقنا بحب اللهو فانحطت ***** فيه النفوس عقابا صار في عقب
ان المصارع صارت من عوائدنا***** هاجت لها عبر و انهالت السرب
كم من دماء لاسلاف بها نزفت***** كم الجثامين جادت ارضها السحب
يا ارض اندلس ماذا اقول لك ***** هذي قرون مضت عددا بلا اوب
ضاعت ورائك بلدان فذكرنا***** هذا بانك كنت السد و الحجب
ضعتي فضاع ورائك راتع ودع ***** خابت ظنون جميع الخذل الرعب
اهل الصليب طغوا عبثا بمشرقنا ***** يديل مقدسنا نهبا لمغتصب
ما شاء طاغية الكفار دولته***** لكنه سبب قد خط في الكتب
هلا بانجاد فرسان لتنجدنا ***** نصرا يدوم و لا يخبوا كما الشهب
بشرا فليس بوار حرث سالفنا ***** هذي الرحى و سجال الحرب يكتسب
الروم لؤم و لكن ليس صنعتها***** الا الذي كان من قبل له ذبب
وهم دوام الكفر في بلد به ***** سادت شريعة رب الكون في رغب
وعد سيرجع في حمص لنا جمع ***** يكبر الله ملئ الواد و الشعب
وعد سترجع تتلوا ذكر ايات***** من الكتاب بافصاح لها شلب
انى لنسيان ملحمة كمالقة ***** لهجت بها الروم في سلم و ملتهب
حسناء تذكر ربا كم تعبده***** ابا شهيدا لئلا تعبد الصلب
من قال ان لدين الحق منطفئ ***** بل جمرة الايمان لا تخبوا و تنتشب
يا اهل اندلس الاسلام ان لكم ***** ان تنهضوا قد بدا في الشرق ما غرب