--------------- - - -

Oct 22, 2009

إحياء الذكرى الأربعمئة لبداية طرد المسلمين: التاريخ والسياسة

محمد القشتول
كاد الرجل أن يقفز كمن لسعه السؤال، ثم قام من كرسيه وتوجه إلى خزانة كتبه التي تغطي الحائط أمام مكتبه، وتطاول حتى بلغ الرف الأعلى حيث صفت بضعة كتب من الحجم الكبير أنيقة الإخراج، غلافها عبارة عن صورة لمخطوط كتب بالخط العربي بأسلوب مغربي.
وفي ختام الحديث -عندما أشرت إلى حجم الكتاب الذي أشرف على إعداده، وأناقته - ذكرني –ومانسيت- بما اعتبره نقدا وجهته له بصفة غير مباشرة لما لمحت إلى تقاعس البلنسيين عن مظاهر إحياء الذكرى الأربعمائة لنفي ثلث مواطنيهم من الموريسكيين.

تهميش
إنه رفاييل بنيتس سانتشيس بلانكو الذي يحرجك بتواضعه. ولكن للتواضع كما للصبر حدود. ثم إنه لم يقبل إجراء المقابلة مع بي بي سي على الرغم من يوم مرهق ومثير للأعصاب، يوم افتتاح سنة جامعية ليست ككل السنوات لأنها شهدت تدشين برنامج تدريس جديد في قسم التاريخ الحديث الذي يعمل به أستاذا جامعيا- لكي آتي إليه من لندن حاملا معي حفنة من الأفكار المسبقة ألقيها في وجهه.
لم يقل لي هذا، كما لم يبد على ملامحه انفعال، اللهم تحرج البداية: تحرج الباحث الذي يفضل رفقة الكتب على مقارعة الإعلام. ولم يخرج قط عن حدود اللياقة والأدب، ولا أظهر الاستخفاف الذي قد يطفو على وجه الخبير عندما يتلقى أسئلة من يريد أجوبة بالأبيض والأسود.
أوضحت له أن الأمر ليس نقدا إنما هو مقارنة بين ما قامت به الحكومة الإسبانية ممثلة في "الدار العربية" (كاسا أرابي) مثلا (إعداد شريط يتحدث عن الموريسكيين بالمناسبة)، والمعرض الذي أقامته الجامعة البلنسية، والذي مهما بلغ نجاحه، ومهما تطلب من جهد ومثابرة فلن يشاهده في النهاية إلا عدد محدود من الناس.
بدا حانقا - دائما في أدب - أو على الأصح مستاءا - في حدود اللياقة والرصانة والموضوعية- من الأسلوب الذي تعاملت به الحكومة المحلية مع المعرض، وكيف همشته.
في صوته شيء من المرارة، لن يكشف عن مسبباتها وتفاصيلها، وفي نظراته تردد.

أسباب سياسية
رفاييل بنيتز سانتشيس بلانكو من الجيل الرابع لدارسي الموريسكولوجيا. دخل إلى هذا العالم بعد قراءته لمؤرخ من الرعيل الثالث هو خوان ريجلا وبلغ من إعجابه به أن قدم من غرناطة إلى بلنسية للتلمذ عليه. فهل لا يزال متشبثا بحصافة اختياره لهذه المادة.

"بعد الذي صاراليوم ؟" تساءل مستنكرا بشيء من السخرية وكفاه تتلاعبان بورقة تحمل بعض السطور قال لي -قبل أن نجلس في مكتبه- إنها أول رؤوس الأفكار لورقة سيقدمها في مؤتمر كان سيعقد يوم الخميس خامس وعشري سبتمبر/ أيلول في دانية إلى الجنوب من بلنسية. ثم أرسل ضحكة ما بين التحرج والتهرب.
فالدراسات الموريسكية من بين المواضيع التاريخية التي يصعب -إذا لم نقل يستحيل- أن تفرق فيها بين السياسة والتاريخ بصفته مادة للبحث؛ بين المنهج والسجال.
ولم يشذ إحياء الذكرى الأربعمئة لبداية الطرد الجماعي عن هذه القاعدة.
فقد قررت السلطات المحلية لإقليم بلنسية سحب دعمها للمعرض الذي ساهم في الإشراف عليه في آخر لحظة فاضطر المنظمون إلى إقامته في جامعة بلنسية حيث يدرس بدلا إقامته في مدريد حيث كان سيلقى صيتا أوسع.
ثم تساءل عن الأسباب التي حذت بوزارة الهجرة إلى دعم المؤتمر الذي ينوي المركز الثقافي الإسلامي تنظيمه بمناسبة ذكرى الطرد الجماعي، كأنه يلمح إلى نوع من الرقابة الخفية تسعى إلى تحييد كل نشاط ذي علاقة بالموضوع.

حرج
الموريسكيون موضوع محرج، الدفاع فيه هو الوسيلة الوحيدة للهجوم.
ولعله من سوء حظ الموريسكيين بعد أربعمائة عام من طردهم أن تحل ذكراهم في غمرة من تصاعد مشاعر الحذر –التي قد تصل حد الكراهية والعنصرية- تجاه المهاجرين والعرب المسلمين منهم بالدرجة الأولى، بسبب تفجيرات مدريد في الحادي عشر من مارس/ آذار 2004، أو بسبب الأزمة المالية الراهنة أو بسبب التاريخ الشمترك المعاصر منه والعتيق.
لهذا يصعب في هذه الأجواء أن تنتظر من السلطات الإسبانية أكثر مما قامت به.
فإذا كان العاهل خوان كارلوس قد قدم لليهود اعتذار الدولة الإسبانية عن قرار طردهم عام 1492، وإذا ما أصبح للسفارديم الحق في الحصول على الجنسية الإسبانية بعد سنتين من الإقامة جراء ذلك، فذلك لأسباب سياسية وديبلومواسية واقتصادية.
أما فيما يتعلق بالموريسكيين فتلك مسألة أخرى.
ماحدث لهم مأساة، ولكن التاريخ يعج بالمأسي و سياسة الاعتذار "لغو" لا فائدة منه.
ثم لمن الاعتذار؟

المصدر: بي بي سي العربية

0 commentaires :

Post a Comment

Copyright © Los Moriscos De Túnez الموريسكيون في تونس | Powered by Blogger

Design by Anders Noren | Blogger Theme by NewBloggerThemes.com