أصيل الشابي
ترجّلت باتّجاه غلّة المشمش، تخيّرت بضع ثمرات وابتعدت، مررت من هناك إلى عمق حارة اليهود، تذكّرت فجأة صانع المشموم في محلّه المتواضع، لطالما جلست بالقرب منه، بمحاذاة النبتات في محابسها الطينيّة، تذكّرت ذلك وأنا أمرّ بالحارة القديمة مخلّفا على جانبيّ مسجدي درمول وبوتريكو كتذكارين بارزين للعيان.
حينما وصلت إلى هناك، إلى البيت الموريسكي المهجور والمغلق بابه منذ زمان وقفت متأمّلا جداره الخرب، وصعدت بنظري إلى أعلى فتذكّرت على الفور أنّنا في ما مضى كنّا نصعد الدرج، ونصل إلى العليّ، ونجلس قبالة نافذة كبيرة مطلّة على وسط البلدة، من هناك رأينا الناس والسيّارات البيجو القديمة سلسلة 32 والجردينات التي تجرّها البغال والحمير بوقعها المميّز في الأذهان، طبعا هذا إلى جانب أشجار النارنج المعطّرة بأريجها في ربيعها اللافت للانتباه، وطبعا هذا إلى جانب أسطح القرميد الشبيهة بظهور الأحصنة، كنّا نصعد باستمرار لكنّنا منعنا بعدها لأنّ البيت كان يمكن أن يسقط على رؤوسنا، وإذّاك تحوّل في أذهاننا إلى بيت مخيف.
كنت أتساءل عن أصحابه أين هم؟ لم أهملوه؟ لحسن الحظّ أنّني كنت أعود إلى بيتي في الجزء العصري من البلدة، وهو الجزء الذي تحوّل إليه الناس باستمرار، فأراه من نافذتي، لطالما بدا لي من بعيد راسخا في مكانه ومتألّقا بهالته الفريدة ممّا جعلني أفكّر في الصعود ثانية إلى فوق، خامرتني تلك الفكرة أوّل مرّة في المقهى القريب من البيت. وضعت فنجان القهوة أمامي، رأيت أحدهم يبيع سمكا محلّيا تحت قبّة سيدي ابراهيم الرعّاش، ثمّ رأيت غلّة المشمش في صناديقها في ظلّ الستارات الزرق الحاجبة للشمس. خطف عينيّ ذاك البريق الساحر الذي داعب أحاسيسي، تأمّلت الأصفر المخضّب بالأحمر والأحمر المخضّب بالأصفر في غلّة الموريسكي بطبعه، ثمّ قلت لنفسي كيف فات صديقي الشاعر وهو يجلس إلى جانبي أن يتأمّل أسطح القرميد النابتة عليها عشبة آخر الربيع المذكّر بالبساتين المرئيّة خضرتها من بعيد.
ناداني أحدهم للعب الورق، لعبنا صامتين تقريبا، أحدهم قرأ ورائي جريدته بصوت مسموع تاليا صور الحظّ المختلفة، كلّما رفعت رأسي اصطدم بالجدار. هناك..تحته يجلس باعة الغلّة وروّاد يشربون القهوة وسائحون بآلات تصويره، ثمّ أتى صديقي الشاعر وقرّب كرسيّه منّي وجلس ، وكأنّني قلت له ادنُ بذلك القدر. كانت الأوراق بين يديّ مذبذبة، وكان بيننا من يسرق، لم أشأ كشفه في ذلك الصباح الحار، فكّرت فقط في الدخول إلى هناك والصعود، لم لا؟ أردت أن أقترح الأمر على صديقي الجالس في غمامة هدوئه أو كاتب القصائد القصيرة بالتفعيلات المجزّأة ومادح الأطلال المهيبة في المناسبات المختارة والمسترخي اللامبالي في كينونته الخاصّة، نبّهني أحدهم..العب..العب ورقة. آنذاك رأيت الأشياء أمامي بوضوح..أوراق مرميّة تخلّص منها أصحابها لأنّها لم تعد ضروريّة. لا أعرف كيف قلت لنفسي آنذاك: ما معنى غير ضروريّة؟ وكأنّني كنت أحاور نفسي بنفسي ربّما تحت وطأة تلك الفكرة المقلقة، قال صديقي مرّة قولة أريد أن أستعيرها لكم: الفكرة سحابة تجتاح الحقل وتنعشه.
الفكرة التي خامرتني في عملي علقت بي حتّى وأنا أنزلق بين الناس في زقاق البلدة الغافية، تتزاحم في عينيّ الأشياء بألوانها وأشكالها وأحجامها، فكرة بسيطة للغاية ، أحيانا كنت أعطس فيذوب كلّ شيء في ذهني بما في ذلك تلك الفكرة الصّغيرة، وآخذ بسرعة في استعمال مناديل الورق لردع الزكام الصيفي، لم أحدّثه عن فكرة الصّعود إلى فوق لأنّه كان سيسأل: والباب؟ كيف ستفتحه؟ يا لها من أسئلة تافهة بينما أنا منتعش، بالطبع صنعت الأبواب لتفتح، كنت سأقول له: صنعت الأبواب لتفتح.. واضح، أمّي تتّفق معي، ولذلك نظرت لي في تلك الليلة بعد أن لحقتني إلى الشرفة وقالت لي: إذا أردت أن تصعد فاصعد وانظر هناك من حولك كما كنت تنظر في صغرك.
كنت قد بدأت بتكذيب الشائعة القائلة بأنّ البيت مخيف،ولكنّني حينما كنت أنظر إلى الأعلى، إلى النافذة الكبيرة، كان أخي يضحك وهو يتابعني من غرفة الجلوس بنوع من الاستخفاف فقد قال مرّة: ما زلت تتابع النجم في مداره العجيب! فكّرت في عبارة مداره العجيب، لقد استحوذت على إعجابي بغضّ النظر عن وخزتها الساخرة، بالطبع كان هناك كثيرون منهم أخي وأبي وحتّى أستاذ التاريخ يتمسّكون بفكرة التقدّم العظيم خارج جدول الزمن، وكان هناك من يحتفظ بصور للبيوت الموريسكيّة القديمة دون أن تكون له مشاعر حقيقيّة تجاهها. لم تكن لتقع على شبكة عينيّ أيّة مخاوف كان للقلب أن يلتقطها. وفوق ذلك سمعت في داخلي ربّما بدافع الحنين إلى الماضي صوت يقول لي: افتح الباب..افتح الباب ولا تلتفت إلى صريره.! قلت أنا في داخلي: أريد أن أنظر إلى نفسي هناك في الأعلى فأنا لا أكترث للجدار الخارجي الخرب الذي كان يخافه الكثيرون، ويجلسون بعيدا عنه حتّى لا يسقط إن سقط عليهم.
نظرت مرارا من نافذة بيتي في الناحية الأخرى، واخترقت الفضاء لألتصق بوسط البلدة..مئذنة جامع الثغري بجامورها السابح فوق أسطح القرميد، قباب أولياء اللّه الصّالحين، بساتين المشمش والرمّان بخضرتها المشعّة. كثيرون تركوا وسط البلدة هربا من رائحة الكلس والأنهج الملتوية وروث البغال الغادية الرائحة بجرديناتها المحمّلة بغلّة المواسم والطيقان الضيّقة وأشجار النارنج في الأفنية المترامية بشوكها والثلمات والغرف في مرمى العين على مدى الرؤية، لكنّي أنا زائر الجزء القديم مثل زوّار كثيرين هنا شعرت دائما بالاقتراب أكثر فأكثر لأدفع الباب الموصد وأصعد إلى فوق..إلى فوق..إلى فوق.
بعد ذلك دفعت الباب المتين، دفعته وقد احتلت عليه، مررت إلى الداخل، بدأت الظلمة بالتفرّق أمامي، صرير الباب ذكّرني بالماضي، اجتزت السقيفة فإذا بالفناء غارق في الضياء وفي وسطه شجرة نارنج عالية، ارتقيت السلّم إلى فوق، في العتمة التي واجهتني تعثرت بخيوط العناكب، ثمّ وجدت نفسي في العليّ محاطا بأعشاش الدوريّ على الحيطان المخضرّة، نظرت أوّل ما نظرت إلى النافذة فإذا بي أطلّ على البلدة بعد تلك السنين الطويلة.
أيّتها البلدة القابعة وراء حجاب كبير وممتدّ من الاسمنت والخرائب المهجورة شِخـْت ِ كثيرا وكبرت تجاعيدك وتشقّقت قشرتك الخارجيّة الغرناطيّة القديمة كما تتشقّق رمّانة في بستان من بساتينك المنحسرة يوما بعد يوم قبل أن تأخذ حبّاتها في التناثر بلا توقّف. لا آثار كما في الماضي لخضرة البساتين أمام العين الناظرة. هناك حجب أخرى صاعدة ..نازلة..صاعدة وأطياف غريبة مشرعة في الأفق، وتفاصيل تائهة في خيالي.
ولهذا أقول لكم جميعا بمن فيهم أنت يا أخي الهازئ وأنتما ألبرتو وفرجين السائحين المارين بكثرة على الطريق الرومانيّة القديمة الحقّ إنّ من يريد أن يحلّ زائرا عليه إن لم يجد البيت الموريسكي واختلطت عليه المدارات وغابت عنه كثرة الأفنية والسقوف في غيمة كبيرة مجهولة أن يدخل من باب مثل باب الرحّالة خيماناث* ويمرق من هناك إلى ذاكرته ليتأمّل كما ينبغي له أن يتأمّل في تلك القوقعة العطرة البلدة بأبعادها الأربعة أو كما يقولون برائحتها الأصليّة الحزينة ذلك الحزن الصامت الخافي عن الأعين والبعيد جدّا عن القلوب الباردة التي لم تدرك يوما الساحة المربّعة المعدّة لمصارعة الثيران وحيّ الحمراء وحضرة القوبرنادور* أو شيخ البلدة الموقّـّر في مجلسه.
خيماناث: رحّالة اسباني عاين الكثير من البلدات الموريسكيّة في القرن الثامن عشر وقارنها ببلاد الاسبان.
القوبرنادور: هو اسم شيخ البلدة عند الموريسكيين ويكون معه عادة مستشاران وقاض على المنوال الاسباني
المصدر: جريدة القدس العربي
ترجّلت باتّجاه غلّة المشمش، تخيّرت بضع ثمرات وابتعدت، مررت من هناك إلى عمق حارة اليهود، تذكّرت فجأة صانع المشموم في محلّه المتواضع، لطالما جلست بالقرب منه، بمحاذاة النبتات في محابسها الطينيّة، تذكّرت ذلك وأنا أمرّ بالحارة القديمة مخلّفا على جانبيّ مسجدي درمول وبوتريكو كتذكارين بارزين للعيان.
حينما وصلت إلى هناك، إلى البيت الموريسكي المهجور والمغلق بابه منذ زمان وقفت متأمّلا جداره الخرب، وصعدت بنظري إلى أعلى فتذكّرت على الفور أنّنا في ما مضى كنّا نصعد الدرج، ونصل إلى العليّ، ونجلس قبالة نافذة كبيرة مطلّة على وسط البلدة، من هناك رأينا الناس والسيّارات البيجو القديمة سلسلة 32 والجردينات التي تجرّها البغال والحمير بوقعها المميّز في الأذهان، طبعا هذا إلى جانب أشجار النارنج المعطّرة بأريجها في ربيعها اللافت للانتباه، وطبعا هذا إلى جانب أسطح القرميد الشبيهة بظهور الأحصنة، كنّا نصعد باستمرار لكنّنا منعنا بعدها لأنّ البيت كان يمكن أن يسقط على رؤوسنا، وإذّاك تحوّل في أذهاننا إلى بيت مخيف.
كنت أتساءل عن أصحابه أين هم؟ لم أهملوه؟ لحسن الحظّ أنّني كنت أعود إلى بيتي في الجزء العصري من البلدة، وهو الجزء الذي تحوّل إليه الناس باستمرار، فأراه من نافذتي، لطالما بدا لي من بعيد راسخا في مكانه ومتألّقا بهالته الفريدة ممّا جعلني أفكّر في الصعود ثانية إلى فوق، خامرتني تلك الفكرة أوّل مرّة في المقهى القريب من البيت. وضعت فنجان القهوة أمامي، رأيت أحدهم يبيع سمكا محلّيا تحت قبّة سيدي ابراهيم الرعّاش، ثمّ رأيت غلّة المشمش في صناديقها في ظلّ الستارات الزرق الحاجبة للشمس. خطف عينيّ ذاك البريق الساحر الذي داعب أحاسيسي، تأمّلت الأصفر المخضّب بالأحمر والأحمر المخضّب بالأصفر في غلّة الموريسكي بطبعه، ثمّ قلت لنفسي كيف فات صديقي الشاعر وهو يجلس إلى جانبي أن يتأمّل أسطح القرميد النابتة عليها عشبة آخر الربيع المذكّر بالبساتين المرئيّة خضرتها من بعيد.
ناداني أحدهم للعب الورق، لعبنا صامتين تقريبا، أحدهم قرأ ورائي جريدته بصوت مسموع تاليا صور الحظّ المختلفة، كلّما رفعت رأسي اصطدم بالجدار. هناك..تحته يجلس باعة الغلّة وروّاد يشربون القهوة وسائحون بآلات تصويره، ثمّ أتى صديقي الشاعر وقرّب كرسيّه منّي وجلس ، وكأنّني قلت له ادنُ بذلك القدر. كانت الأوراق بين يديّ مذبذبة، وكان بيننا من يسرق، لم أشأ كشفه في ذلك الصباح الحار، فكّرت فقط في الدخول إلى هناك والصعود، لم لا؟ أردت أن أقترح الأمر على صديقي الجالس في غمامة هدوئه أو كاتب القصائد القصيرة بالتفعيلات المجزّأة ومادح الأطلال المهيبة في المناسبات المختارة والمسترخي اللامبالي في كينونته الخاصّة، نبّهني أحدهم..العب..العب ورقة. آنذاك رأيت الأشياء أمامي بوضوح..أوراق مرميّة تخلّص منها أصحابها لأنّها لم تعد ضروريّة. لا أعرف كيف قلت لنفسي آنذاك: ما معنى غير ضروريّة؟ وكأنّني كنت أحاور نفسي بنفسي ربّما تحت وطأة تلك الفكرة المقلقة، قال صديقي مرّة قولة أريد أن أستعيرها لكم: الفكرة سحابة تجتاح الحقل وتنعشه.
الفكرة التي خامرتني في عملي علقت بي حتّى وأنا أنزلق بين الناس في زقاق البلدة الغافية، تتزاحم في عينيّ الأشياء بألوانها وأشكالها وأحجامها، فكرة بسيطة للغاية ، أحيانا كنت أعطس فيذوب كلّ شيء في ذهني بما في ذلك تلك الفكرة الصّغيرة، وآخذ بسرعة في استعمال مناديل الورق لردع الزكام الصيفي، لم أحدّثه عن فكرة الصّعود إلى فوق لأنّه كان سيسأل: والباب؟ كيف ستفتحه؟ يا لها من أسئلة تافهة بينما أنا منتعش، بالطبع صنعت الأبواب لتفتح، كنت سأقول له: صنعت الأبواب لتفتح.. واضح، أمّي تتّفق معي، ولذلك نظرت لي في تلك الليلة بعد أن لحقتني إلى الشرفة وقالت لي: إذا أردت أن تصعد فاصعد وانظر هناك من حولك كما كنت تنظر في صغرك.
كنت قد بدأت بتكذيب الشائعة القائلة بأنّ البيت مخيف،ولكنّني حينما كنت أنظر إلى الأعلى، إلى النافذة الكبيرة، كان أخي يضحك وهو يتابعني من غرفة الجلوس بنوع من الاستخفاف فقد قال مرّة: ما زلت تتابع النجم في مداره العجيب! فكّرت في عبارة مداره العجيب، لقد استحوذت على إعجابي بغضّ النظر عن وخزتها الساخرة، بالطبع كان هناك كثيرون منهم أخي وأبي وحتّى أستاذ التاريخ يتمسّكون بفكرة التقدّم العظيم خارج جدول الزمن، وكان هناك من يحتفظ بصور للبيوت الموريسكيّة القديمة دون أن تكون له مشاعر حقيقيّة تجاهها. لم تكن لتقع على شبكة عينيّ أيّة مخاوف كان للقلب أن يلتقطها. وفوق ذلك سمعت في داخلي ربّما بدافع الحنين إلى الماضي صوت يقول لي: افتح الباب..افتح الباب ولا تلتفت إلى صريره.! قلت أنا في داخلي: أريد أن أنظر إلى نفسي هناك في الأعلى فأنا لا أكترث للجدار الخارجي الخرب الذي كان يخافه الكثيرون، ويجلسون بعيدا عنه حتّى لا يسقط إن سقط عليهم.
نظرت مرارا من نافذة بيتي في الناحية الأخرى، واخترقت الفضاء لألتصق بوسط البلدة..مئذنة جامع الثغري بجامورها السابح فوق أسطح القرميد، قباب أولياء اللّه الصّالحين، بساتين المشمش والرمّان بخضرتها المشعّة. كثيرون تركوا وسط البلدة هربا من رائحة الكلس والأنهج الملتوية وروث البغال الغادية الرائحة بجرديناتها المحمّلة بغلّة المواسم والطيقان الضيّقة وأشجار النارنج في الأفنية المترامية بشوكها والثلمات والغرف في مرمى العين على مدى الرؤية، لكنّي أنا زائر الجزء القديم مثل زوّار كثيرين هنا شعرت دائما بالاقتراب أكثر فأكثر لأدفع الباب الموصد وأصعد إلى فوق..إلى فوق..إلى فوق.
بعد ذلك دفعت الباب المتين، دفعته وقد احتلت عليه، مررت إلى الداخل، بدأت الظلمة بالتفرّق أمامي، صرير الباب ذكّرني بالماضي، اجتزت السقيفة فإذا بالفناء غارق في الضياء وفي وسطه شجرة نارنج عالية، ارتقيت السلّم إلى فوق، في العتمة التي واجهتني تعثرت بخيوط العناكب، ثمّ وجدت نفسي في العليّ محاطا بأعشاش الدوريّ على الحيطان المخضرّة، نظرت أوّل ما نظرت إلى النافذة فإذا بي أطلّ على البلدة بعد تلك السنين الطويلة.
أيّتها البلدة القابعة وراء حجاب كبير وممتدّ من الاسمنت والخرائب المهجورة شِخـْت ِ كثيرا وكبرت تجاعيدك وتشقّقت قشرتك الخارجيّة الغرناطيّة القديمة كما تتشقّق رمّانة في بستان من بساتينك المنحسرة يوما بعد يوم قبل أن تأخذ حبّاتها في التناثر بلا توقّف. لا آثار كما في الماضي لخضرة البساتين أمام العين الناظرة. هناك حجب أخرى صاعدة ..نازلة..صاعدة وأطياف غريبة مشرعة في الأفق، وتفاصيل تائهة في خيالي.
ولهذا أقول لكم جميعا بمن فيهم أنت يا أخي الهازئ وأنتما ألبرتو وفرجين السائحين المارين بكثرة على الطريق الرومانيّة القديمة الحقّ إنّ من يريد أن يحلّ زائرا عليه إن لم يجد البيت الموريسكي واختلطت عليه المدارات وغابت عنه كثرة الأفنية والسقوف في غيمة كبيرة مجهولة أن يدخل من باب مثل باب الرحّالة خيماناث* ويمرق من هناك إلى ذاكرته ليتأمّل كما ينبغي له أن يتأمّل في تلك القوقعة العطرة البلدة بأبعادها الأربعة أو كما يقولون برائحتها الأصليّة الحزينة ذلك الحزن الصامت الخافي عن الأعين والبعيد جدّا عن القلوب الباردة التي لم تدرك يوما الساحة المربّعة المعدّة لمصارعة الثيران وحيّ الحمراء وحضرة القوبرنادور* أو شيخ البلدة الموقّـّر في مجلسه.
خيماناث: رحّالة اسباني عاين الكثير من البلدات الموريسكيّة في القرن الثامن عشر وقارنها ببلاد الاسبان.
القوبرنادور: هو اسم شيخ البلدة عند الموريسكيين ويكون معه عادة مستشاران وقاض على المنوال الاسباني
المصدر: جريدة القدس العربي
0 commentaires :
Post a Comment