--------------- - - -

Feb 21, 2010

آداب الموريسكيين : عندها اختفت أشعار الغزل والهـزل

فريدة أحمد بنعزوز

دأب دارسو الآداب الأندلسية على تناولها داخل حقبة زمنية امتدت من الفتح الإسلامي لشبه جزيرة إيبيرية إلى نهاية الحكم العربي الإسلامي بها، وكأن هذه الآداب قد انطفأت وقررت نهايتها وتوقفها، عشية سقوط غرناطة، آخر معاقل الإسلام بهذه الجهة من العالم ومن المعلوم أنه بعد هذا الحدث ـ الذي يعد حدثاً كارثياً بالنسبة للحضارة الإسلامية ـ لم يرحل جميع الأندلسيين عن هذه الجزيرة، واستمروا في إنتاج آدابهم بها إلى القرن الحادي عشر من التقويم الهجري، وحتى الذين خرجوا منها بعد ذاك الحدث، أو بعد هذا القرن، أو خلال المرحلة الفاصلة بينهما، فإنهم لم ينقطعوا أبداً عن مواصلة إنتاج أدبهمغير أن هذه الآداب قد عرفت تحولات مختلفة، باختلاف تحولات الصراع الحضاري بين الإسلام والنصرانية الذي دار بهذه الجهة السالفة الذكر، فلقد واكبت تلك الآداب هذا الصراع، لتعبر عنه، ولتجسده ضمن مختلف أجناسها وأنواعها، ووفق مقوماتها وأساليبها وسيماتها المخصوصة ولا عجب في ذلك، فالواقف عليها كما هي مبثوثة في مخطوطات أهلها وفيما نشر منها، يدرك بكل سهولة انصهارها في وحدة انتسابية إلى الآداب العربية الإسلامية، بالرغم من اضطرار أصحابها إلى إنتاجها واستهلاكها في غالب الأحوال بغير اللغة العربية لكن إلى أي حد يمكن الحديث أصلاً عن وجود فعلي لهذه الآداب، ثم كيف عبرت عن ذاك الصراع؟ وكيف واكبت تحولاته؟ وكيف خضعت بدورها إلى تحولات موازية؟إن كان لابد من مقاربة التساؤل الأول من هذه التساؤلات مقاربة كمية، فالجواب عنه سهل ومتيسر فما فتئت المخطوطات الموريسكية تكتشف بكثرة بإسبانية وخارجها منذ بداية الأزمنة الحديثة إلى يومنا الحاضر، ومازالت تنتشر وتدرس بكثافة، خصوصاً بموطنها الأم، وبفرنسا، وبهولندا، وببورتو ريكو، وبتونس، ويكفي دليلاً في هذا المضمار، الرجوع إلى مقال لألفارو غالميس فونيتس، الذي ذيله بكشاف ضخم للنصوص الأدبية الموريسكية، وأين يحفظ كل واحد منها في المكتبات العالمية، وهل نشر أو درس إلخ أما عن التساؤلات الأخرى فمن المعروف أن مختلف الحضارات تنتج تصورات عن نفسها، وتجهد في تأسيسها وتدعيمها، بحثاً عن الوحدة والتطابق، ونفياً لكل تعدد واختلاف وإذ تتغيا هذه الحضارات ذلك، فإنها تضطر داخل ثقافتها وبواسطتها، إلى تشكيل تصورات مختلفة عن الحضارات الأخرى وخصوصاً تلك التي تدخل في صراع معها وتروم تقويضها والقضاء عليها ولا عجب في ذلك، فلا يمكن لأي حضارة أن تكتشف خصوصياتها وأن تهتم بتأسيسها، إلا عبر ملاحظة اختلافات ربيباتها وملاحقتها باستمرار أي إلى الدخول معها فيما يسمى بالصراع الحضاري ومن المعروف كذلك، أن هذا الصراع يستلزم مما يستلزمه بالضرورة إبداع آداب للتعبير عنه ومواكبته، وإذا أجبر الموريسكيون على العيش في أسبانيا، بوصفهم أقلية دينية واضحة أو متسترة داخل نصرانية يتظاهرون باقتسامها مع أعدائهم، فلقد اضطروا إلى رفع هذا التحدي الذي فرض عليهم، والاستجابة للمبدأ الناظم لحضارتهم، الذي هو الدين الإسلامي كما اضطروا تبعاً لذلك إلى إنتاج آداب خاصة بهم واستهلاكها للتعبير عن هذا الصراع وتأجيجه ومتابعته لذلك نرى بأنه قد بات على مؤرخي الآداب العربية الإسلامية الأندلسية، مراجعة تحقيبهم لتاريخ الآداب العربية الإسلامية الأندلسية في ضوء هذه الملاحظاتوالواقع أننا قد وقفنا، مثلما وقف غيرنا، على نصوص كثيرة دالة في هذا المضمار لا يتسع المجال هنا للتعريج عليها ومع ذلك فقد يمكن أن يحتج على ما ندافع عنه في هذه السطور، بالتساؤل المتشكك في القيمة الأدبية لهذه الآداب الذي ندعي وجودها، وكذا عن شرعية نسبتها إلى عائلة الآداب العربية الإسلامية مادام أهلها قد تداولوا في الغالب باللغة الأسبانية واللغة المعروفة بالأعجمية Aljamiado فأما القسم الديني وما هو في حكمه من ترجمات القرآن الكريم إلى الإسبانية والأعجمية ومن تفسيرات ودراسات له وللسنة النبوية الشريفة، ومن مجادلات دينية ضد النصرانية للدفاع عن الإسلام والذود عن حماه، فإنه لا يمكن أن يطاله مثل هذا التساؤل وأما القسم الأدبي الصرف من هذه الآداب، ومن أشعار نظمت لأغراض مختلفة، ومن سرديات في مجال القصة والرواية وأدب الملحمة وأدب الرحلة وفن الترسل إلخ فإنه يحقق بامتياز كبير أدبيته المخصوصة، سواء وفق التصورات التقليدية أو الحداثية لمفاهيم الأدب والأدبية وأما عن علاقة هذه الآداب العربية، فالواقع أنه كان للقرار الذي اتخذه النصارى بمنع الأندلسيين المتأخرين من التخاطب باللغة العربية وتداولها قراءة وكتابة أثر كبير في انحسار هذه اللغة وتراجعها لدى عموم هؤلاء ولقد وقفنا بالفعل على نصوص عربية من نصوصهم لم تستطع احترام قواعد اللغة العربية ونحوها وصرفها وإملائها وبنية جملتها وتركيبها التي عهدناها في نصوص أسلافهم الأندلسيين القدماء كما وقفنا كذلك على نصوص أخرى راعت تلك القواعد دون أن تتمكن من التخلص بصفة تامة وكاملة من بعض المفردات والتراكيب الصوتية العامية الأندلسية العربية والإسبانية، غير أن هذا لا يمنع من كون ذات النصوص وإن لم تراع الرونقة والتنميق بقدر ما اهتمت بتصوير ذاتها ومواكبة مأساتها بالاندراج في استراتيجية التعبير عن الصراع الحضاري بين الإسلام والنصرانية في غرب البحر الأبيض المتوسط، فلقد جاءت مفعمة بحس أدبي ملحوظ في كثافة التصوير وسمته وعمقه وينسحب هذا الأمر كذلك على مختلف النصوص النثرية والشعرية التي اضطر الأندلسيون إلى وضعها سواء بالإسبانية أو بالأعجمية المخترقتين ببعض العبارات العربية المسكوكة، وببعض الصيغ والأساليب العربية الواضحة، مما يدل على أنها نبعت من وجدان وخيال أدبيين عربيين إسلاميين وأندلسيين متوخية بذلك تأسيس هذا الوجدان والحفاظ على روحه بين أوساط المتلقين في هذا المضمار عرف هذا الأدب تحولات متعددة، بالنظر إلى أدب أسلافه الأندلسيين القدماء، ولقد انعكست هذه التحولات نتيجة تحولات الصراع الحضاري المذكور، على أنواعه ومضامينه وأشكاله التعبيرية فلم نعد نعثر على أشعار الغزل والخمر، ولا على رسائل هزلية وجدية من مثل رسائل ابن زيدون، ولا على موشحات وأزجال ابن قزمان إلخ وإنما أخذنا نقف على أشعار وقصص وملاحم ومغاز وفروسية، وعلى رسائل ورحلات، وعلى مناظرات ومجادلات دينية، تهتم بأغراض بعيدة كل البعد عن أغراض أسلافه من الأندلسيين المتقدمين حيث تكاد لا تعنى إلا بالتعبير عن مأساة أصحابه، وعن اندراجهم بالفعل وبالوجدان في صلب مقاومة الإسلام للنصرانية ورفضه للاستسلام لها ولعل ذلك يفسر لمَ لمْ يحل الموريسكيون في أدبهم على هؤلاء الأسلاف وتعمدوا الإحالة على المسلمين والعرب المشارقة والتماهي معهمولنكتف في الختام بشهادة أحد الشاهدين من أهلها فلقد ذهب في هذا المضمار أحد الإسبانيين إلى أن ˜السياسة الإسبانية لم تكتف بنفي المورسكيين، وما ترتب عليه من نضوب حقولنا ومصانعنا، ولم يقتصر الأمر على انتصار التعصب، وبربرية ديوان التحقيق، بل تعداه إلى اختفاء الشعر، وشعور الجمال المورسكي، والأدب السليم الذي رفع سمعة بلادنا

المصدر: المعرفة، العدد 68

1 comment :

  1. السلام عليكم
    هل تعرفون أي أستاذ أم أستاذة التاريخ ومتخصص بالمُوريسكين من تونس؟
    فيما يلي قائمة بألقاب بلنسية التي جاءت إلى تونس ولا تزال محتفظة بأصولها. شكرا لاهتمامكم
    هذه بعض ألقاب بلنسية للمور الذين أتوا إلى تونس و ممكن موجدين حتى الآن في القرى و المدن التونسية .
    Lacanti, Balencian, Balma, Sachi, Zbiss, Lixi, Chtiba,
    هذه بعض ألقاب بلنسية للمور الذين أتوا إلى تونس
    شكرا جزيلا على متابعتكم
    الأستاذ جوزيف

    ReplyDelete

Copyright © Los Moriscos De Túnez الموريسكيون في تونس | Powered by Blogger

Design by Anders Noren | Blogger Theme by NewBloggerThemes.com