--------------- - - -

Aug 20, 2010

الأندلس ليست جنة ضائعة، بل هي جنة حاضرة



ميرتلة(البرتغال) 20 اوت 2010

بلغت رحلتي تقريبًا في شبه الجزيرة الإيبيرية نهايتها، في الأندلس أو كما تشاؤن تسمية هذه الرقعة الجميلة من التاريخ و الجغرافيا، هذه الأرض التي لديها وقع خاص، هذه الأرض التي تعبق بخورًا، و ياسمينًا، و رائحة دماءً و جثثًا إستهلكتها الحروبُ الطويلة، كما إستهلك الأمراء و الملوك ألاف قناني الخمور و النبيذ.

 هذه الأرض التي أرخ المسلمون لفتحها بخطبة طارق الشهيرة "العدو أمامكم و البحرُ ورائكم"، ولسقوطها بقول عائشة لإبنها أبو عبد الله بعد تسليمه مفاتيح غرناطة "أبك كالنساء ملكاً لم تحفظه كالرجال"، هذه الأرض...، هذه الأرض، التي تنغرس الأن قدميا في ترابها، في جهة غرب الأندلس، و بالتحديد في مدينة ميرتلة "أحمى حصون الأندلس" كما يقول ابن عذاري، و التي تقعُ على ضفة وادي يانة الذي يلتف حولها مُعانقًا، في قبلة لم تنتهي منذ الأزل، هذا الوادي الذي جعل ميرتلة ميناءً متوسطيًا يبعد ما يقارب الـ70كلم عن البحر الأبيض المتوسط.

لميرتلة و لجهة غرب الأندلس تاريخ عريق و هام، أنا الأن بصدد البحث فيه، هذا التاريخ الذي يمتدُ منذ ما قبل التاريخ إلى اليوم مرورًا بحضارات و أعراق مُختلفة تحاربت و تعايشت، تثاقفت و تزاوجت عن حب، عن مصلحة أو كرهًا، فأنجبت هذه الحضارة التي أسمُها الأندلس، هذه الحضارة التي تجمع البربر و العرب، المسيحين و اليهود، المولدين و هم أهل البلاد الذين إعتنقوا الإسلام، السود، الصقالبة، القوط، الرومان، و غيرهم من الأجناس و الثقافات.

هذه الحضارة التي ليست مُلكًا للعرب أو الإسبان، بل هي لنا جميعًا، نحن الإنسانية، رُبما تكون هذه الكلمات رسميةً قليلاً، كلمات كثيرًا ما تحضر في إطار حوارات و مقالات شفافة عن تحالف الحضارات من مجموعة من السياسيين، الذين يمتهنون بيع الكلمات، و لكنهُ أمر عايشتهُ من خلال زيارتي إلى إسبانيا، و خصوصًا من خلال بحثي في "مركز الدراسات الإسلامية و المتوسطية بميرتلة"، من خلال جملة الباحثين بهذا المركز، من البرتغال، إسبانيا، المكسيك، الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، كلهم يقودهم في بحثهم حبهم لهذه الحضارة التي تسمى الأندلس، هذا الحب الذي يظهر حتى عند الأشخاص العاديين في المجالس الخاصة، في سؤالي عن معنى بعض الكلمات التي تبدو ذات أصل عربي، في موقع الحفريات الأثرية، في البقايا الخزفية التي تعود إلى العهد الموحدي، في الهيكل العظمي الذي وجدناهُ وسط مقبرة مسيحية، و الذي يبدو من خلال طريقة دفنه أنهُ "يعود لأحد أجدادي"، قالت أحدى الصديقات، في عديد فناجين القهوة التي تناولتها مع شخصيات من جنسيات مُختلفة، برتغالية، فرنسية، إسبانية، أمريكية، مكسكية، و كان موضوعها عمومًا حول الأندلس و بطبيعة الحال الموريسكيين الذين أحملهم معي أينما ذهبت، في أسئلة صديقي لويس عالم الإجتماع حول "الخمسة"، أو "يد فاطمة"، في حواراتي الطويلة و المُتعددة مع الدكتور كلويدو توراش، و زوجته عالمة اللسانيات "دونا" مانويلا، في بشاشة أهل ميرتلة، في حسن إستقبال عائلة صديقي خوسيه.

هذه هي حضارة الأندلس، هذه الحضارة التي ليست جنةً ضائعة، بل هي جنةٌ حاضرة، حاضرة في كل ما ذكرت و ما لم أذكُر، لذلك يجبُ نحن المسلمين أن نكف عن البُكاء و استحضار مرثية أبو البقاء الرندي الجميلة و المؤثرة في شعريتها، أن نكُف عن خطاب "سنستعيدُ الأندلس"، هذا الخطاب المُخجل، كذلك على الإسبان أن يتجاوزوا عُقدة حروب "الإسترداد"، وخوفهم الدائم من الغازي المُسلم، أن يتصالحوا مع تاريخهم الإسلامي، علينا نحن العرب و الإسبان أن يكون لنا قدر من التواضعُ يسمح لنا بتقاسم هذه الحضارة مع بقيت العالم، لأنهُ شاركنا في صنعها، ولازال يُشاركنا في حُبها

الصورة: مدينة ميرتلة
المصدر: الموريسكيون في تونس


0 commentaires :

Post a Comment

Copyright © Los Moriscos De Túnez الموريسكيون في تونس | Powered by Blogger

Design by Anders Noren | Blogger Theme by NewBloggerThemes.com