إدريس الكنبوري
حوار مع الدكتور د.عبدالواحد أكمير
ما هو تقييمك للمشروع الّذي تقدم به الحزب الاشتراكي العمالي مؤخرًا أمام البرلمان الأسباني، والقاضي بالاعتذار للموريسكيين، بعد مرور أربعة قرون على طردهم من أسبانيا؟
بكل تأكيد هو مشروع يستحق التنويه، رغم أنّ اللغة التي تمت صياغته بها، فيها الكثير من الليونة، بحيث تتحدث عن "الحيف" الذي لحق الموريسكيين، وليس عن الجرائم والإبادة الجماعية، لأنّ الأمر في الواقع لم يكن مجرد طرد وتجريد من الأملاك، وإنما محوًا للهوية، وتمسيحًا قسريًا، وإحراقًا لكل الذين شكوا في عدم اعتناقهم المسيحية وهم أحياء.
وهذه ليست المرة الأولى التي يناقش فيها البرلمان الأسباني قضايا مشابهة، فقدْ تم الاعتذار لليهود مرتين على طردهم من أسبانيا، المرة الأولى سنة 1808 ثم المرة الثانية سنة 1992 بمناسبة مرور خمسة قرون على الطرد، كما تم الاعتذار للهنود على الإبادة الجماعية التي تعرضوا لها طيلة أربعة قرون، من طرف المعمرين الأسبان في العالم الجديد.
من هنا لم يكن من المنطقي أن تنقضي سنة 2009، والّتي تخلد لمرور أربعة قرون على طرد الموريسكيين دون الاعتذار لهم، خصوصًا وأن ذلك يدخل في إطار النقاش الدائر في الأوساط السياسية والأكاديمية الأسبانية، والذي اصطلح على تسميته بـ"التصالح مع الذاكرة التاريخية".
النقطة الإيجابية الأخرى في المشروع هو أنه تمت مناقشته من طرف لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، وهو ما يعني أنْ الأمر يتعلق بقضية تهم السياسة الخارجية لأسبانيا، ذلك لأن الموريسكيين بعد طردهم تفرقوا في جهات مختلفة من العالم، صحيح أن الأغلبية قصدت المغرب وبلدانًا عربية وإسلامية أخرى، لكن هناك من التجأ إلى فرنسا وألمانيا، بل إن أعدادًا مهمة منهم انتهى بها المطاف بأمريكا اللاتينية.
غير أن هناك من فضّل المكوث في أسبانيا، وهؤلاء حافظوا على ديانتهم وثقافتهم الإسلامية سرًا، أبًا عن جد، وفقط بعد عودة الديمقراطية إلى أسبانيا سنة 1975، والتصويت على قانون جديد للحرية الدينية، أشهروا إسلامهم، وتم اكتشاف قرى في منطقة الأندلس حافظت على هذه التقاليد الدينية.
الذي يتوجب التوقف عنده كذلك بخصوص المشروع الذي ناقشه البرلمان الأسباني، هو معارضته من طرف الحزب الشعبي، وهو التنظيم الأول في المعارضة كما نعرف، وهذا أمر يرتبط بالمرجعية الدينية والثقافية لهذا الحزب، التي تقوم على مبدأ القومية الكاثوليكية التي تناصب عداءً تاريخيًا للإسلام.
هل يعتبر طرح المشروع اعترافًا بأن الإسلام يعتبر من مكونات الهوية الثقافية الأسبانية؟
صحيح، وهذا باعتراف أعلى سلطة سياسية في أسبانيا، فإذا عدت مثلاً إلى الاتفاقية الّتي وقعتها الدولة الأسبانية مع كونفدرالية المسلمين الأسبان سنة 1992، والتي تحمل توقيع الملك خوان كارلوس، فهي تقول بصريح العبارة: "إنّ الإسلام مكون أساسي من مكونات الهوية الثقافية الأسبانية".
إذن، ما المُنتظر من مشروع إعادة الاعتبار للموريسكيين؛ بعد مصادقة البرلمان الأسباني عليه؟
أظن أنّ الأمر يتعلق بقضية رمزية أكثر منها مادية، صحيح أنه يتحدث عن دعم التعاون الاقتصادي والثقافي مع البلدان التي ينتمي إليها المتحدرون من أصول موريسكية وعلى رأسها المغرب، لكنه لا يقول شيئًا عن قضايا مثل التعويض المادي، أو منح الجنسية الأسبانية لهؤلاء، وأظن أن من يذهب في هذا الاتجاه الأخير تنقصه الواقعية.
عشنا حكاية في مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات، حيث زار المركز بعد تفجيرات 11 سبتمبر بقليل فريق من إحدى القنوات التلفزيونية الأمريكية، وطلب منا تسهيل الاتصال بعائلات مغربية من أصول موريسكية طُردت من الأندلس، لازالت تحتفظ بمفاتيح بيوتها هناك، وقد بينّا لهم أن تلك حكايات موجودة في الذاكرة الجماعية لبعض المدن المغربية، لكن المفاتيح حتى لو وجدت، فلا شيء يؤكد أنها بالفعل لتك المنازل، التي كان أصحابها يحلمون بالعودة إليها يومًا ما. فردوا علينا أنهم يعون ذلك، لكنهم يريدون رؤية تلك المفاتيح والتحدث لأصحابها، لسبب بسيط هو: تبرير ما حصلوا عليه من تمويل للربورتاج الذي جاؤوا لإنجازه.
لاحظ معي أننا بهذا النوع من التفكير، نكرس الصورة التي تحدث عنها الرومانسيون الغربيون من أمثال "شاتوبريان" و"واشنطن إيرفينغ" في القرن التاسع عشر، والتي يسميها إدوارد سعيد "الصورة التي بناها الغرب في خياله عن الشرق".
لقد قرأت منذ وقت غير بعيد في إحدى الصحف الأسبانية واسعة الانتشار مقالاً تحت عنوان "أبناء الأندلس"، وهو نتيجة تحريات ميدانية لمراسل الصحيفة في المغرب، الذي أجرى سلسلة لقاءات مع منحدرين من أصول موريسكية، أطلعه بعضهم على مفاتيح منازل أجدادهم بغرناطة، والّتي يحتفظون بها كشيء ثمين توارثوه أبًا عن جد، حسب تعبير الصحفي الذي يتحدث عن حلم هؤلاء في الحصول على الجنسية الأسبانية، لأنهم ـ حسبه ـ يعيشون في المنفى، وكان أجدادهم ضحايا حرب أهلية شبيهة بالحرب الأهلية التي عرفتها أسبانيا في القرن العشرين، والتي أفرزت نفي الآلاف من المتعاطفين مع الجمهورية إلى الاتحاد السوفيتي، حيث يطالب أبناءهم اليوم بالجنسية الأسبانية.
أظن أن إعادة الاعتبار للموريسكيين يُمكن أن يوظف بطريقة أخرى أكثر فاعلية، مثل تسهيل اندماج المهاجرين المغاربة في المجتمع الأسباني. أنت تعرف أن هناك لوبي من السياسيين والمثقفين البارزين الأسبان الذين لا يترددون في التعبير عن عدائهم للمسلمين، وهم يحاولون تسخير القضية الموريسكية من أجل تأليب الرأي العام والمجتمع الأسباني ضد المهاجرين. تكفي العودة في هذا السياق لكتابات "ثيسار فيدال" و"سيرافين فنخول" لنعثر على نوع من المقارنات الغريبة بين المهاجرين المغاربة اليوم والموريسكيين في الماضي، ويعتبر فنخول مثلاً أن طرد الموريسكيين كان أمرًا عادلاً لأنهم رفضوا الاندماج، على غرار ما يرفض المهاجرون المسلمون الاندماج اليوم. إنّ هذا النوع من الخطاب ليس له إلا غاية واحدة، هي تكريس ما يسمى في أسبانيا بالموروفوبيا، والتي لم تعد فقط ظاهرة اجتماعية، بل أصبحت كذلك ظاهرة سياسية بعد تفجيرات 11 مارس 2004 الّتي وقعت بمدريد.
كيف يمكن أن تصحح هذه الأمور المترسخة في الذاكرة الجماعية؟
أظن أنّنا بحاجة لنعيد النظر في مناهج تدريسنا لتاريخ الأندلس، وللماضي المشترك بين أسبانيا والعرب، لأنّ هذه المناهج في تقديري فيها خلل، سواء تعلق الأمر بأسبانيا أو بالبلاد العربية، إنّ الطريقة التي تتلقى بها الأجيال العربية مبادئها عن الأندلس، في التعليم الابتدائي والثانوي، لا تخلو من رومانسية كما قلنا، فكل شيء رائع وحالم ومثالي، مع أنّه في الواقع لم يكن دائمًا كذلك. "إنّ قضية الأندلس في المخيال العربي تعبر عن أحاسيس متضاربة، وتُولد مواقف متضاربة كذلك، لاحظ معي مثلاً أنّنا نجد اسم الأندلس يُطلق على أماكن لا يربط بينها رابط، فهو يطلق على مسجد كما يطلق على كباريه أو على فرقة موسيقية، وهو يطلق على دار بيع الكتب، كما يطلق على مطعم أو على دكان ميكانيكي. إن الأندلس تعني الإحساس بالانتماء إلى حضارة عريقة عند المواطن العربي بشكلٍ عام، لكن في نفس الوقت تعني نوعًا من نهاية التاريخ عند العرب، بحيث تجعلهم يحسون أن حضارتهم لا يمكن أن تتجاوز ما وصلت إليه في الأندلس، وهو ما يحول الحضارة العربية في الوقت الحاضر إلى حضارة شبه ميتة".
هذا عن مفهوم الأندلسية والقضية الموريسكية في ثقافتنا، فماذا عن مفهوم الأندلس في الثقافة الأسبانية؟
رغم تطور المناهج في التعامل مع تاريخ أسبانيا بشكلٍ عامٍ، وليس تاريخ الأندلس فقط بعد عودة الديمقراطية، ما زال هناك كثير من الخلل والرومانسية في التعامل مع هذا الميراث المشترك. أذكر أنني بعد وقت وجيز من وقوع تفجيرات 11 مارس 2004، زرت قصر الحمراء بغرناطة، وقد لفت انتباهي عدد تلامذة المدارس الابتدائية الذين يزورون ذلك القصر الأسطوري، وفي الباب الخارجي اقتربت من مجموعة منهم وسألتهم: كيف كانت الزيارة؟ فرد أحدهم: مملة. وعندما أردت أن أعرف السبب، أجاب آخر: لأننا لم نجد "موروس". ولما أجبته أن في أسبانيا يوجد أكثر من نصف مليون منهم، رد علي: إنني أقصد "موروس" بالعمامة والجلباب يمتطون الخيول، ويحملون السيوف، وليس "موروس" يضعون متفجرات في القطارات، كما نشاهد في التلفزيون.
سؤالنا الأخير حول مساهمة "مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات" في تحسين هذه الصورة؟
مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات، له صفة مؤسسة دولية غير حكومية، يعني هو جزء من المجتمع المدني، ومن هذا المنطلق نشتغل مع شركائنا في المغرب وغيره من البلدان العربية، وكذا مع شركائنا في بلدان غربية، خصوصًا أسبانيا، حيث تم إنجاز عدد من البرامج الرامية للمساهمة في تغيير هذه الصورة النمطية التي للإسلام في الغرب، وفي نفس الوقت نشر ثقافة أندلسية أكثر واقعية.
وإذا سمحت لي سأتحدث عن برنامجين فقط من هذه البرامج، أولهما: "مهرجان التراث الأندلسي"، الذي ينظمه المركز كل سنتين في مدينة مالقا، بتعاون مع المجلس البلدي لهذه المدينة الأسبانية. فقد انعقدت الدورة الأولى في صيف السنة الماضية، واستمرت فعالياتها ثلاثة أسابيع، وكان من بين أهدافها إخراج الثقافة الأندلسية من المؤسسة الأكاديمية إلى الشارع، حيثْ نظمت جل الأنشطة في الساحات العمومية، وفي بعض المعالم العمرانية الأندلسية التي تزخر بها هذه المدينة، وهكذا نُظم "معرض الطبيخ الأندلسي"، و"معرض العطور الأندلسية"، وعرض للأزياء الأندلسية، وحفلات الموسيقى الأندلسية. ولم يكن المهرجان مخصصًا للكبار فقط، بل للأطفال كذلك، حيث نُظمت عروض مسرحية تعرف أجيال المستقبل بالماضي الأندلسي. وحسب الإحصائيات التي قامت بها سلطات مدينة مالقا، قدر عدد الذين حضروا فعاليات المهرجان بالآلاف.
حوار مع الدكتور د.عبدالواحد أكمير
ما هو تقييمك للمشروع الّذي تقدم به الحزب الاشتراكي العمالي مؤخرًا أمام البرلمان الأسباني، والقاضي بالاعتذار للموريسكيين، بعد مرور أربعة قرون على طردهم من أسبانيا؟
بكل تأكيد هو مشروع يستحق التنويه، رغم أنّ اللغة التي تمت صياغته بها، فيها الكثير من الليونة، بحيث تتحدث عن "الحيف" الذي لحق الموريسكيين، وليس عن الجرائم والإبادة الجماعية، لأنّ الأمر في الواقع لم يكن مجرد طرد وتجريد من الأملاك، وإنما محوًا للهوية، وتمسيحًا قسريًا، وإحراقًا لكل الذين شكوا في عدم اعتناقهم المسيحية وهم أحياء.
وهذه ليست المرة الأولى التي يناقش فيها البرلمان الأسباني قضايا مشابهة، فقدْ تم الاعتذار لليهود مرتين على طردهم من أسبانيا، المرة الأولى سنة 1808 ثم المرة الثانية سنة 1992 بمناسبة مرور خمسة قرون على الطرد، كما تم الاعتذار للهنود على الإبادة الجماعية التي تعرضوا لها طيلة أربعة قرون، من طرف المعمرين الأسبان في العالم الجديد.
من هنا لم يكن من المنطقي أن تنقضي سنة 2009، والّتي تخلد لمرور أربعة قرون على طرد الموريسكيين دون الاعتذار لهم، خصوصًا وأن ذلك يدخل في إطار النقاش الدائر في الأوساط السياسية والأكاديمية الأسبانية، والذي اصطلح على تسميته بـ"التصالح مع الذاكرة التاريخية".
النقطة الإيجابية الأخرى في المشروع هو أنه تمت مناقشته من طرف لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، وهو ما يعني أنْ الأمر يتعلق بقضية تهم السياسة الخارجية لأسبانيا، ذلك لأن الموريسكيين بعد طردهم تفرقوا في جهات مختلفة من العالم، صحيح أن الأغلبية قصدت المغرب وبلدانًا عربية وإسلامية أخرى، لكن هناك من التجأ إلى فرنسا وألمانيا، بل إن أعدادًا مهمة منهم انتهى بها المطاف بأمريكا اللاتينية.
غير أن هناك من فضّل المكوث في أسبانيا، وهؤلاء حافظوا على ديانتهم وثقافتهم الإسلامية سرًا، أبًا عن جد، وفقط بعد عودة الديمقراطية إلى أسبانيا سنة 1975، والتصويت على قانون جديد للحرية الدينية، أشهروا إسلامهم، وتم اكتشاف قرى في منطقة الأندلس حافظت على هذه التقاليد الدينية.
الذي يتوجب التوقف عنده كذلك بخصوص المشروع الذي ناقشه البرلمان الأسباني، هو معارضته من طرف الحزب الشعبي، وهو التنظيم الأول في المعارضة كما نعرف، وهذا أمر يرتبط بالمرجعية الدينية والثقافية لهذا الحزب، التي تقوم على مبدأ القومية الكاثوليكية التي تناصب عداءً تاريخيًا للإسلام.
هل يعتبر طرح المشروع اعترافًا بأن الإسلام يعتبر من مكونات الهوية الثقافية الأسبانية؟
صحيح، وهذا باعتراف أعلى سلطة سياسية في أسبانيا، فإذا عدت مثلاً إلى الاتفاقية الّتي وقعتها الدولة الأسبانية مع كونفدرالية المسلمين الأسبان سنة 1992، والتي تحمل توقيع الملك خوان كارلوس، فهي تقول بصريح العبارة: "إنّ الإسلام مكون أساسي من مكونات الهوية الثقافية الأسبانية".
إذن، ما المُنتظر من مشروع إعادة الاعتبار للموريسكيين؛ بعد مصادقة البرلمان الأسباني عليه؟
أظن أنّ الأمر يتعلق بقضية رمزية أكثر منها مادية، صحيح أنه يتحدث عن دعم التعاون الاقتصادي والثقافي مع البلدان التي ينتمي إليها المتحدرون من أصول موريسكية وعلى رأسها المغرب، لكنه لا يقول شيئًا عن قضايا مثل التعويض المادي، أو منح الجنسية الأسبانية لهؤلاء، وأظن أن من يذهب في هذا الاتجاه الأخير تنقصه الواقعية.
عشنا حكاية في مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات، حيث زار المركز بعد تفجيرات 11 سبتمبر بقليل فريق من إحدى القنوات التلفزيونية الأمريكية، وطلب منا تسهيل الاتصال بعائلات مغربية من أصول موريسكية طُردت من الأندلس، لازالت تحتفظ بمفاتيح بيوتها هناك، وقد بينّا لهم أن تلك حكايات موجودة في الذاكرة الجماعية لبعض المدن المغربية، لكن المفاتيح حتى لو وجدت، فلا شيء يؤكد أنها بالفعل لتك المنازل، التي كان أصحابها يحلمون بالعودة إليها يومًا ما. فردوا علينا أنهم يعون ذلك، لكنهم يريدون رؤية تلك المفاتيح والتحدث لأصحابها، لسبب بسيط هو: تبرير ما حصلوا عليه من تمويل للربورتاج الذي جاؤوا لإنجازه.
لاحظ معي أننا بهذا النوع من التفكير، نكرس الصورة التي تحدث عنها الرومانسيون الغربيون من أمثال "شاتوبريان" و"واشنطن إيرفينغ" في القرن التاسع عشر، والتي يسميها إدوارد سعيد "الصورة التي بناها الغرب في خياله عن الشرق".
لقد قرأت منذ وقت غير بعيد في إحدى الصحف الأسبانية واسعة الانتشار مقالاً تحت عنوان "أبناء الأندلس"، وهو نتيجة تحريات ميدانية لمراسل الصحيفة في المغرب، الذي أجرى سلسلة لقاءات مع منحدرين من أصول موريسكية، أطلعه بعضهم على مفاتيح منازل أجدادهم بغرناطة، والّتي يحتفظون بها كشيء ثمين توارثوه أبًا عن جد، حسب تعبير الصحفي الذي يتحدث عن حلم هؤلاء في الحصول على الجنسية الأسبانية، لأنهم ـ حسبه ـ يعيشون في المنفى، وكان أجدادهم ضحايا حرب أهلية شبيهة بالحرب الأهلية التي عرفتها أسبانيا في القرن العشرين، والتي أفرزت نفي الآلاف من المتعاطفين مع الجمهورية إلى الاتحاد السوفيتي، حيث يطالب أبناءهم اليوم بالجنسية الأسبانية.
أظن أن إعادة الاعتبار للموريسكيين يُمكن أن يوظف بطريقة أخرى أكثر فاعلية، مثل تسهيل اندماج المهاجرين المغاربة في المجتمع الأسباني. أنت تعرف أن هناك لوبي من السياسيين والمثقفين البارزين الأسبان الذين لا يترددون في التعبير عن عدائهم للمسلمين، وهم يحاولون تسخير القضية الموريسكية من أجل تأليب الرأي العام والمجتمع الأسباني ضد المهاجرين. تكفي العودة في هذا السياق لكتابات "ثيسار فيدال" و"سيرافين فنخول" لنعثر على نوع من المقارنات الغريبة بين المهاجرين المغاربة اليوم والموريسكيين في الماضي، ويعتبر فنخول مثلاً أن طرد الموريسكيين كان أمرًا عادلاً لأنهم رفضوا الاندماج، على غرار ما يرفض المهاجرون المسلمون الاندماج اليوم. إنّ هذا النوع من الخطاب ليس له إلا غاية واحدة، هي تكريس ما يسمى في أسبانيا بالموروفوبيا، والتي لم تعد فقط ظاهرة اجتماعية، بل أصبحت كذلك ظاهرة سياسية بعد تفجيرات 11 مارس 2004 الّتي وقعت بمدريد.
كيف يمكن أن تصحح هذه الأمور المترسخة في الذاكرة الجماعية؟
أظن أنّنا بحاجة لنعيد النظر في مناهج تدريسنا لتاريخ الأندلس، وللماضي المشترك بين أسبانيا والعرب، لأنّ هذه المناهج في تقديري فيها خلل، سواء تعلق الأمر بأسبانيا أو بالبلاد العربية، إنّ الطريقة التي تتلقى بها الأجيال العربية مبادئها عن الأندلس، في التعليم الابتدائي والثانوي، لا تخلو من رومانسية كما قلنا، فكل شيء رائع وحالم ومثالي، مع أنّه في الواقع لم يكن دائمًا كذلك. "إنّ قضية الأندلس في المخيال العربي تعبر عن أحاسيس متضاربة، وتُولد مواقف متضاربة كذلك، لاحظ معي مثلاً أنّنا نجد اسم الأندلس يُطلق على أماكن لا يربط بينها رابط، فهو يطلق على مسجد كما يطلق على كباريه أو على فرقة موسيقية، وهو يطلق على دار بيع الكتب، كما يطلق على مطعم أو على دكان ميكانيكي. إن الأندلس تعني الإحساس بالانتماء إلى حضارة عريقة عند المواطن العربي بشكلٍ عام، لكن في نفس الوقت تعني نوعًا من نهاية التاريخ عند العرب، بحيث تجعلهم يحسون أن حضارتهم لا يمكن أن تتجاوز ما وصلت إليه في الأندلس، وهو ما يحول الحضارة العربية في الوقت الحاضر إلى حضارة شبه ميتة".
هذا عن مفهوم الأندلسية والقضية الموريسكية في ثقافتنا، فماذا عن مفهوم الأندلس في الثقافة الأسبانية؟
رغم تطور المناهج في التعامل مع تاريخ أسبانيا بشكلٍ عامٍ، وليس تاريخ الأندلس فقط بعد عودة الديمقراطية، ما زال هناك كثير من الخلل والرومانسية في التعامل مع هذا الميراث المشترك. أذكر أنني بعد وقت وجيز من وقوع تفجيرات 11 مارس 2004، زرت قصر الحمراء بغرناطة، وقد لفت انتباهي عدد تلامذة المدارس الابتدائية الذين يزورون ذلك القصر الأسطوري، وفي الباب الخارجي اقتربت من مجموعة منهم وسألتهم: كيف كانت الزيارة؟ فرد أحدهم: مملة. وعندما أردت أن أعرف السبب، أجاب آخر: لأننا لم نجد "موروس". ولما أجبته أن في أسبانيا يوجد أكثر من نصف مليون منهم، رد علي: إنني أقصد "موروس" بالعمامة والجلباب يمتطون الخيول، ويحملون السيوف، وليس "موروس" يضعون متفجرات في القطارات، كما نشاهد في التلفزيون.
سؤالنا الأخير حول مساهمة "مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات" في تحسين هذه الصورة؟
مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات، له صفة مؤسسة دولية غير حكومية، يعني هو جزء من المجتمع المدني، ومن هذا المنطلق نشتغل مع شركائنا في المغرب وغيره من البلدان العربية، وكذا مع شركائنا في بلدان غربية، خصوصًا أسبانيا، حيث تم إنجاز عدد من البرامج الرامية للمساهمة في تغيير هذه الصورة النمطية التي للإسلام في الغرب، وفي نفس الوقت نشر ثقافة أندلسية أكثر واقعية.
وإذا سمحت لي سأتحدث عن برنامجين فقط من هذه البرامج، أولهما: "مهرجان التراث الأندلسي"، الذي ينظمه المركز كل سنتين في مدينة مالقا، بتعاون مع المجلس البلدي لهذه المدينة الأسبانية. فقد انعقدت الدورة الأولى في صيف السنة الماضية، واستمرت فعالياتها ثلاثة أسابيع، وكان من بين أهدافها إخراج الثقافة الأندلسية من المؤسسة الأكاديمية إلى الشارع، حيثْ نظمت جل الأنشطة في الساحات العمومية، وفي بعض المعالم العمرانية الأندلسية التي تزخر بها هذه المدينة، وهكذا نُظم "معرض الطبيخ الأندلسي"، و"معرض العطور الأندلسية"، وعرض للأزياء الأندلسية، وحفلات الموسيقى الأندلسية. ولم يكن المهرجان مخصصًا للكبار فقط، بل للأطفال كذلك، حيث نُظمت عروض مسرحية تعرف أجيال المستقبل بالماضي الأندلسي. وحسب الإحصائيات التي قامت بها سلطات مدينة مالقا، قدر عدد الذين حضروا فعاليات المهرجان بالآلاف.
هناك برنامج آخر يحاول من خلاله مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات الوصول إلى الجمهور الواسع، هو سلسلة كتاب الجيب، أسميناها المعرفة الأندلسية، تم تحريرها بأسلوب مبسط، وتتناول قضايا عامة، ومن العناوين الّتي صدرت إلى الآن، أذكر: "الموريسكيون داخل أسبانيا وخارجها"، "المرأة في الأندلس"، و"الزراعة في الأندلس
المصدر: الإسلام اليوم_العنوان:بتصرف
الصورة و إضافة:
تتمثلُ الأندلس في المخيال الجماعي بعديد الرموز، و التي لعل أهمها قصر الحمراء، كما أن الأندلس تحضر في هذه المخيلة و كما يؤكد د.عبد الواحد أكمير بصورة مُتضاربة يغلبُ عليها اللون الأحمر أو لون شفق غروب الشمس، في تمثيل رمزي لغروب شمس الحضارة العربية، هذه النظرة و كما ذهب د.عبد الواحد أكمير في حاجة اليوم إلى المراجعة، في محاولة لقرائة التاريخ بصفة علمية و واقعية، و ليس بصفة عاطفية مرضية، حبيسة الأمجاد "الضائعة"، ومئات الكتب النثرية و الشعرية، التي أخرجت الأندلس من سياقها التاريخي، و حولتها إلى مجرد صورة جاهزة، ترضي حلم الأوروبي بالشرقية المعطرة برائحة التوابل في الأسواق وعطر الجواري في القصور، وتعيدُ للعربي أو المُسلم بعضًا من "أمجاده"، و أحلامه، أو على الأقل قصةً يرويها في أحد منتديات الأنترنات في رده على أحد المشككين
المصدر: الإسلام اليوم_العنوان:بتصرف
الصورة و إضافة:
تتمثلُ الأندلس في المخيال الجماعي بعديد الرموز، و التي لعل أهمها قصر الحمراء، كما أن الأندلس تحضر في هذه المخيلة و كما يؤكد د.عبد الواحد أكمير بصورة مُتضاربة يغلبُ عليها اللون الأحمر أو لون شفق غروب الشمس، في تمثيل رمزي لغروب شمس الحضارة العربية، هذه النظرة و كما ذهب د.عبد الواحد أكمير في حاجة اليوم إلى المراجعة، في محاولة لقرائة التاريخ بصفة علمية و واقعية، و ليس بصفة عاطفية مرضية، حبيسة الأمجاد "الضائعة"، ومئات الكتب النثرية و الشعرية، التي أخرجت الأندلس من سياقها التاريخي، و حولتها إلى مجرد صورة جاهزة، ترضي حلم الأوروبي بالشرقية المعطرة برائحة التوابل في الأسواق وعطر الجواري في القصور، وتعيدُ للعربي أو المُسلم بعضًا من "أمجاده"، و أحلامه، أو على الأقل قصةً يرويها في أحد منتديات الأنترنات في رده على أحد المشككين
0 commentaires :
Post a Comment